218

Dhakhair

الذخائر والعبقريات

Publisher

مكتبة الثقافة الدينية

Publisher Location

مصر

Genres

الاستحقاق عِيٌّ وحسدٌ، وقال رجل لابن الأعرابي: إن نُصَيْبًا - الشاعر الذي تقدم ذكره - يقول: إنّما تُمدح الرجالُ على قَدر ثوابِها، فقال: إن العرب تقول: على قدر ريحِكم تُمْطَرون. . . وقال الصاحب بن عباد: وإذا الصّديقُ أدامَ شُكْري لِلَّتي ... لمْ آتِها إلا على التّقْديرِ أَيْقَنْتُ أنَّ العَتْبَ باطِنُ أمْرِه ... فسَكَتُّ مُحْتشِمًا على التَّقْصيرِ من لم يردعه خوفه عن الشكر بعث أبو جعفر المنصور إلى شيخٍ من بطانةِ هشام بن عبد الملك، فاستحضره وسأله عن تدبير هشام وأحواله، فأقبل الشيخ يقول: فعل ﵀، وقال يوم كذا ﵀، فقال المنصور: قم لعنَك الله، أتطأ بساطي وتترحّم على عدوّي! فقال الشيخ: إنَّ نعمةَ عدوك لقلادةٌ في عنقي لا ينزِعُها إلا غاسِلي، فقال المنصور: ارجع إلى حديثك، فإنّي أشهد أنّك غرسٌ شريفٌ وابنُ حرّة. . . ولما قتل مسلمة بن عبد الملك يزيدَ بنَ المهلّب أمر بأن يحضرَ الشعراءُ ليقولوا في ذلك، فلم يألوا أن ذكروه بأقبحِ ما قَدروا عليه، ما خلا رجلًا من بني دارمٍ فإنه قال: لا أذمُّ رجلًا لا أملك رَيْعًا ولا مالًا ولا أثاثًا إلا منه ولو قُطّعت إربًا إربًا، ولقد رثيتُه بأحسنِ ما يُرثى به رجلٌ - وأنشد أبياتًا رائعةً - فجزاه مَسلمةُ خيرًا وقال: إذا اصْطُنِع فلْيُصْطَنَعْ مثلُ هذا. . . أقول: لا أدري: أبموقف هؤلاءِ البررةِ الأوفياءِ الشجعانِ الصُّرحاءِ يعجب المرءُ، أم بأولئك الملوك الذي يقدّرون هذا الوفاء ويطربون له ولو كان في جانب أعدائِهم! فلله درُّ أولئك الناس الذين شرّفوا الإنسانيةَ بهذه الخلائقِ الكريمةِ النبيلة، بينما غيرُهم من أهل النفاق والجبن والنذالة قد كَلَموا الإنسانيةَ

1 / 207