ثم إن أحمد بن علوان وصل إلى حصن ثلا لما علم من المشائخ أهل ثلا أنهم اضطربوا من شائعة تسليم كوكبان، وهم في ذلك الأوان محاربون للإمام -عليه السلام- ومباينون له فطيب نفوسهم وهو يقوم ويقعد ويتطلع إلى الكائنة(1) من الحشيشي، فلما كان بكرة يوم السبت دخل الحشيشي، وصاحبه وأظهر أنه يريد صرم الأمور والرجوع إلى ابن علوان، وأنه ما وصل إلا شاهدا لأن السلطان قد أبلغه أن ابن علوان لا يريد صلحا بين الإمام وبينه، وطلب الخلوة فأمر الإمام أن يخلى له المكان، فلم يبق مع الإمام إلا ثلاثة وهم عمدة خواصه الفقيه العلامة الأوحد نظام الدين خاصة أمير المؤمنين القاسم بن أحمد الشاكري(2)، والفقيه الطاهر التقي داعي أمير المؤمنين [محيى الدين معلي بن](3) عبدالله القيسي ثم البهلوي،(4) والشيخ الطاهر المخلص خاصة أمير المؤمنين [عبدالله بن يحيى بن علي الصعدي](5) فأمر الإمام -عليه السلام- (أن يقف)(6) السلاطين ومن معهم من أصحابه في مجلس قريبا منه، فلما دخل الرجلان ردا السلام، وتحدث الحشيشي بحديث غير مستقيم، ثم قال: إن معي حديثا سرا، فدنا من الإمام فاتهمه فأشار إلى الفقيه قاسم أن يدنوا منه ليحسن في خروج الرجلين بلطف وأدب لما رأى حديثه غير منتظم، فدنا الفقيه نظام الدين من الإمام فشاوره الإمام في أذنه اليسرى وعينه مع الحشيشي وهو باسط يديه على فخذية، ثم إن الفقيه أراد أن يرد الجواب على الإمام فشاوره مقابلا لأذنه اليمنى فستر ما بين الحشيشي وبين الإمام لحظة، فحصلت له الفرصة فجذب سكينا خوصية قريبا[425] من عظم ذراع بمقبضها قد كان أعدها في باطن فخذه، ثم قام في أسرع ما يكون وأنحط على الإمام بعد أن رفع يديه وتطاول على قدميه خيفة أن يكون الإمام دافنا لدرع فأحس به الإمام [عليه السلام](1) فوثب قائما وذؤابة عمامته في الأرض فوقعت رجله فيها أو في ناحية الفراش فسقط على جبينه الأيمن فوقعت الطعنة في موضع [المحجمة](2) من كتفه الأيسر، فمرت نحوا من ثماني أصابع إلى نحو عظم صلبه بعد أن أخذت نيفا وخمسين طاقا(3) في العمامة وطاقات في فوطة جديدة عليه، وثلاث طيات في عطف الشوحة والدراعة(4) وما تحتها، ودنا عدو الله ليطعنه الثانية على خاصرته فوثب عليه الفقيه العلامة القاسم بن أحمد الشاكري فقبض على السكين بيده ووقعت الواعية وصرخ الصارخ وكانت ساعة لم ير الناس مثلها ولم يشك أحد أن الإمام قد قتل، وقام الإمام -عليه السلام- وطعنته ترش من خلفه، فأحس بالحرائم أنها قد خرجت على الناس فشغله ذلك عما معه، فخرج فردهن وقد كان ابن البانة دخل على الحرائم، فقيل أنه أراد أن يقتل ولد الإمام الصغير المسمى الناصر محمد بن أحمد، وقيل: أراد أن يستجير والله أعلم.
Page 371