Dawla Umawiyya Fi Sham
الدولة الأموية في الشام
Genres
السبب الثاني: «التوابون ضعاف في جيشهم وعدتهم»: ذكرنا أن التوابين تكاتفوا وتعاضدوا وأقسموا الأيمان على الفتك بقتلة الحسين وبذلوا الأموال في سبيل هذه الغاية، ولكن أموالهم كانت قليلة نسبة لأموال الأمويين، وجيشهم ضعيفا لا حول له ولا قوة على الثبات أمام الجيش الأموي، هذا عدا أولئك الذين تخلوا عنهم بتأثير الذهب الوهاج الذي كانت تدفعه الحكومة بسخاء، فيروي لنا الطبري: «دعا سليمان بن صرد إلى ديوانه لينظر فيه إلى عدة من بايعه حيث أصبح فوجدهم ستة عشر ألفا، فقال: سبحان الله! ما أرانا إلا أربعة آلاف من ستة عشر ألفا »،
54
ويروي أيضا: «أتى سليمان عسكره فداره ووجوه أصحابه فلم يعجبه عدة الناس.»
55
ويقول بذا الخصوص: «خاطب سليمان بن صرد حزبه فقال: ونظرت فيمن تبعني منكم فعلمت أنهم لو خرجوا لم يدركوا ثأرهم، ولم يثنوا أنفسهم ولم ينكوا عدوهم ...»
56
وقد صرح التوابون أنهم فقراء، وأنه ليس عندهم مال يهبونه للناس كما تفعل الحكومة في دمشق، وأن لا غاية لهم سوى التوبة بثأرهم للحسين، وكان هذا اعتراف ظاهر على عجزهم وضعفهم، والناس لا يستهويهم الكلام الجذاب إلى أمد طويل، وإن استهواهم فإلى حين، قال سليمان بن صرد: «... أيها الناس من كان إنما أخرجته إرادة وجه الله وثواب الآخرة فذلك منا ونحن منه، فرحمة الله عليه حيا وميتا، ومن كان إنما يريد الدنيا وحرثها فوالله ما نأتي فيئا نستفيئه ولا غنيمة نغنمها ما خلا رضوان الله رب العالمين، وما معنا من ذهب ولا فضة ولا خز ولا حرير، وما هو إلا سيوفنا في عواتقنا ورماحنا في أكفنا، وزاد قدر البلغة إلى لقاء عدونا، فمن كان غير هذا ينوي فلا يصحبنا.»
57
السبب الثالث: «المنافسة في طلب الزعامة تهيض جناحهم»: كان بين الشيعة رجال ينافسون سليمان بن صرد في طلب الزعامة والرئاسة، أشهرهم المختار بن أبي عبيد الثقفي - وسنتكلم عنه مفصلا - فخرج رجاله يثبطون همم الناس عن اللحاق بسليمان مدعين جهله في الأمور العسكرية وضعفه في قيادة الجند، وقالوا: إن المختار إنما يدعو لمحمد بن علي ابن الحنفية فهو وزيره وأمينه، فانقسم التوابون بعضهم على بعض، فئة تدعو لسليمان وفئة تدعو للمختار، فكان هذا الانقسام مما سهل على الحكومة الأموية ضرب سليمان وأتباعه ضربة قاضية، قال الطبري بهذا الشأن: «... فسليمان أثقل خلق الله على المختار، وكان المختار يقول لأصحابه: أتدرون ما يريد هذا - يعني سليمان بن صرد - إنما يريد أن يخرج فيقتل نفسه ويقتلكم، ليس له بصر بالحروب ولا علم بها.»
58
Unknown page