بسم الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على سيد الأنام وآله وسلم.

اللهم صلي على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وترحم على محمد وعلى آل محمد كما ترحمت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وتحنن على محمد وعلى آل محمد كما تحننت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وسلم على محمد وعلى آل محمد كما سلمت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.

سئل الفقير إلى الله تعالى يحيى بن أحمد بن عواض الشاطبي وفقه الله تعالى عن غيبة الذمي المحافظ على قوانين عهده ودينه أيجوز أم لا؟ فأجاب بان من العلماء من يقول بجوازها، قال: ويمكن أن يؤخذ لهم ذلك من قول الله تعالى مخاطبا للمؤمنين بقوله: {ولا يغتب بعضكم بعضا}[الحجرات:12] ومن قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين سأله بعض المسلمين عن الغيبة فقال: ((أن تذكر أخاك بما يكرهه، فإن كان فيه فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه فقد بهته)) ومن جواز غيبة الفاسق مع كونه مسلما، ومن ..............العماء نقص الغيبة للوضوء بأن تكون لمسلم.

قال: ومن العلماء من يقول بتحريمها لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: ((من سمع ذميا فله النار)).

ولقوله صلى الله عليه وآله وسلم: ((إلا من ظلم معاهد أو انتقصه أو كلفه فوق طاقته، أو أخذ منه بغير طيبة من نفسه فأنا خصمه يوم القيامة)).

Page 2

ولقوله صلى الله عليه وآله وسلم: ((من آذى ذميا فأنا خصمهن ومن كبت خصمه خصمته يوم القيامة)) أخرجه الخطيب في التاريخ عن ابن مسعود.

ولقوله صلى الله عليه وآله وسلم: ((من قذف ذميا حد له يوم القيامة بسياط من نار)) أخرجه الطبراني في الكبير، عن واثلة.

قلت: ولأن الذمة جعلت من حرمة قبره من الثرى إلى الثريا، وأوجبت تكفينه ودفنه، وحرمت ذمته وماله وعرضه من الأذى ، فكما لا تجوز أذيته لا تجوز غيبته، إذ فيها أذية، فلم يجز الشرع انتقاصه إلا بالأمور التي عقدت الذمة عليها، وما.............بالجواز لا يقاوم ما دل على الحظر، مع أن قوله صلى الله عليه وآله وسلم: ((أن تذكر اخاك)) جواب لسؤال وقع من مسلم.

قال في الإمداد: وغيبة الذمي حرام بخلاف الحربي، انتهى. وخرج مخرج الغلب، واحترز به من الفاسق.

فإن قلتك كيف منعت الذمة عرض الذمي ولم يمنع الإسلام زاده الله علوا عرض الفاسق؟

قلت: قد علل صلى الله عليه وآله وسلم حل ذكر الفاسق بما فيه بالحذر منه، حيث قال: ((اذكروا الفاسق بما فيه كي يحذره الناس)) لن كونه مسلما مظنة للاغترار بظاهر إسلامه، ولا اغترار بالذمي.

فإن قلت: التحذير من الفاسق لأمر يقتضي نقص دينه وما كان كذلك فذكره به ليس بغيبة كما سيأتي؟

قلت: قوله صلى الله عليه وآله وسلم: ((اذكروا الفاسق بما فيه)) عام في كل ذكره بما فيه مما ينقص دينه ومما لا، على أنه قد جعل للكافر الملي حيث قبلت شهادته على مثله، مزية على فاسق الخارجة حيث لم تقبل شهادته.

فإن قلت: قد لعن الله الكافرين ومن جاز لعنه جازت غيبته؟

قلت: ذكر بعض المحققين أن للعن الكافر أو الفاسق ثلاث مراتب، فبوصف أعم كلعنة الله على الكفرة والفسقة، وبوصف أخص منه كلعنة الله على اليهود والزناة يجوز اللعن.

Page 3

وأما لعن شخص معين فلا يجوز من غير معصوم إلا مقيدا بها، بأن يقال: لعنه الله إن مات كافرا أو فاسقا، لقوله تعالى: {إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار أولئك عليهم لعنة الله}[البقرة:161] لأنه ربما يسلم أو يتوب، فكيف يحكم بأنه ملعون، أي مبعد من الله، وربما يموت مقربا عند الله؛ لأن الأحوال تتقلب على الأعيان.

قلت: ذكر الفاسق بما فيه من نقص يختص به كالتقصير لا يجب لزوال المقتضى وهو الحذر منه، وأما بما فيه تحذير فلا يعد بقاء الأمر فيه للوجوب على ظاهره.

فإن قلت: مجروح العدالة الذي لم تبلغ معصيته الفسق هل يلحق بالفاسق في حل غيبته كما لحق به في أنه لا يؤم ولا يحكم، أو بالمؤمن في عدم الحل كما لحق به في حل صرف الزكاة إليه، وفي غسله وتكفينه والصلاة عليه؟

قلت: الظاهر عدم الحل إلا بما فيه تحذير.

اعلم أن الغيبة من أعظم آفات اللسان، وقلما سلم من خطرها إنسان، وقد تكلم العلماء رضي الله عنهم في حقيقة الغيبة المحرمة وفي ذمها، وفي الأشياء الحاملة عليها، وفي الدواء الذي يمنع من وقوعها، وفي التخلص من إثمها، وفي الأعذار المرخصة فيها، فهذه ستة مباحث.

Page 4

CHECK [البحث الأول في حقيقة الغيبة]

| CHECK [البحث الأول في حقيقة الغيبة]

البحث الأول في حقيقتها

وهي أن تذكر غائبا معينا متسترا بما فيه من النقص مما يكرهه لو بلغه لنقصه بما لا ينقص دينه، سواء كان نقصا في بدنه ونسبه، أو معنته أو خلقه، أو فعله أو ثوبه، أو غيره مما يتعلق به، كالقصير والنبطي والأسكافي، وكثير الكلامن وطويل الأكمام، وذي الفرس المكسور، والدار المهجور، فإن ذكرت ذلك لا لنقصه بل لتعريفه كالأعمس للمحدث المعروف، أو لنقص غير متسترا أو غير معين، محو ما بال أقوام يفعلون كذا، كما كان صلى الله عليه وآله وسلم يقول ذلك، والمقصود واحد بعينه، فذلك جائز، فإن ذكرت بذلك حاضراص فتحريمه لكونه أذية لا غيبة.

وأما ذكر الغائب بما ليس فيه فذلك بهتان، وهو أشد من الغيبة، قيل: لأن فيه جمعا بينها وبين الكذب.

قلت: الغيبة والكذب لا يجتمعان، إذ الغيبة ذكر الغائب بما فيه فهي خبر صادق، وقيل: لأن فيه جمعا بين النميمة والكذب.

قلت: لا نميمة إذ هي إفشاء السر، وهتك السرت عما يكره كسنه.

قلت: ولو قيل إن وجه الشدة هو أن الباهت يحتاج إلى التخلص في ثلاثة مواضع يتوب إلى الله تعالى، ويتحلل من بهته، ويعلم من تكلم عندهم بأنه كاذب فيما قال على فلان لكان أولى.

فإن قلت: كيف كان البهتان أشد من الغيبةن وقد ورد أيضا أن الغيبة أشد من الزنا، فجعل الزنا أخف الثلاثة والبهتان أشدها فالغيبة وسطها؟

Page 5

قلت: زيادة الشدة باعتبار تعدد وجوه التخلص كما أشار إليه قوله صلى الله عليه وآله وسلم: ((إياكم والغيبة، فإن الغيبة أشد من الزنا، قيل: وكيف ذاك يا رسول الله؟ قال: إن الرجل يزني ثم يتوب فيتوب الله عليه، وإن صاحب الغيبة لا يغفر له حتى يغفر له صاحبه)) فلما كان التخلص يحصل في الزنا بأمر واحد وهو التوبة، كان التخلص منه أخف من الغيبة التي لا تخلص منها إلا بأمرين التوبة والاعتذار، وكان البهتان أشد من الغيبة لما كان التخلص منه لا يحصل إلا بثىثة، بالتوبة والاعتذار، وإعلام من تكلم عندهم بأنه كان كاذباص فيما قال على فلان، فزيادة الشدة باعتبار الخروج من الذنب لا باعتبار اقتحام الذنب، والزنا أشد تحريما، ولذا شرع الحد على فاعله، وأجمع على كبره.

قال ابن أبي الحديد: وفي الصحاح المجمع على صحتها أنه صلى الله عليه وآله وسلم مر بقبرين جديدين فقال: ((إنهما ليعذبان وما يعذبان لكبير، أما أحدهما فكان يغتاب الناس، وأمما الآخر فكان لا يتنزه من البول)) فصرح بأن الغيبة ليست بكبيرة، وقيل: بل هي كبيرة؛ لأن في خبر ابن عباس بعد: وما يعذبان في كبير بلى إنه كبير، قالوا: ومعنى وما يعذبان في كبير أي في أمر يكبر عليهما أو يشق لو أرادا وهو التنزه وترك الغيبةن ولم يرد أن المعصية ليست بكبيرة، وأن الذنب فيها هين سهل، ولذا استدرك بقوله: ((بلى إنه كبير)).

وأهل مذهبنا لا يعدون الغيبة ولا النميمة من الكبائر؛ لأن الكبيرة تقتضي فسق مرتكبها، ولا إفساق إلا بقاطع من السمع والحادي لا يفيد القطع، والله أعلم.

Page 6