ـ[درء تعارض العقل والنقل]ـ المؤلف: تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن عبد الله بن أبي القاسم بن محمد ابن تيمية الحراني الحنبلي الدمشقي (المتوفى: ٧٢٨هـ) تحقيق: الدكتور محمد رشاد سالم الناشر: جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، المملكة العربية السعودية الطبعة: الثانية، ١٤١١ هـ - ١٩٩١ م عدد الأجزاء: ١٠ [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]

Unknown page

القانون الكلي للتوفيق عند المبتدعة الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلي الله عليه وعلى آله وسلم تسليمًا كثيرًا.

1 / 3

قول القائل: إذا تعارضت الأدلة السمعية والعقلية، أو السمع والعقل، أو النقل والعقل، أو الظواهر النقلية والقواطع العقلية، أو نحو ذلك من العبارات، فإما أن يجمع بينهما، وهو محال، لأنه جمع بين النقيضين، وإما أن يردا جميعًا، وإما أن يقدم السمع، وهو محال، لأن العقل أصل النقل، فلو قدمناه عليه كان ذلك قدحًا في العقل الذي هو أصل النقل، والقدح في أصل الشيء قدح فيه، فكان تقديم النقل قدحًا في النقل والعقل جميعًا، فوجب تقديم العقل، ثم النقل إما أن يتأول، وإما أن يفوض. وأما إذا تعارضا تعارض الضدين امتنع الجمع بينهما، ولم يمتنع ارتفاعهما. وهذا الكلام قد جعله الرازي وأتباعه قانونًا كليًا فيما يستدل به من كتب

1 / 4

الله تعالى وكلام أنبيائه ﵈، وما لا يستدل به، ولهذا ردوا الاستدلال بما جاءت به الأنبياء والمرسلون في صفات الله تعالى، وغير ذلك من الأمور التي أنبأوا بها، وظن هؤلاء أن العقل يعارضها، وقد يضم بعضهم إلى ذلك أن الأدلة السمعية لا تفيد اليقين، وقد بسطنا الكلام على قولهم هذا في الأدلة السمعية في غير هذا الموضع. وأما هذا القانون الذي وضعوه فقد سبقهم إليه طائفة، منهم أبو حامد، وجعله قانونًا في جواب المسائل التي سئل عنها في نصوص أشكلت على السائل، كالمسائل التي سأله عنها القاضي أبو بكر بن العربي، وخالفه القاضي أبو بكر العربي في كثير من تلك الأجوبة، وكان يقول: شيخنا أبو حامد دخل في بطون الفلاسفة، ثم أراد أن يخرج منهم فما قدر. وحكي هو عن أبي حامد نفيه أنه كان يقول: أنا مزجي البضاعة في الحديث.

1 / 5

ووضع أبو بكر بن العربي هذا قانون آخر، مبنيًا على طريقة أبي المعالي ومن قبله، كالقاضي أبي بكر الباقلاني. ومثل هذا القانون الذي وضعه هؤلاء يضع كل فريق لأنفسهم قانونًا فيما جاءت به الأنبياء عن الله، فيجعلون الأصل الذي يعتقدونه ويعتمدونه هو ما ظنوا أن عقولهم عرفته، ويجعلون ما جاءت به الأنبياء تبعًا له، فما وافق قانونهم قبلوه، وما خالفه لم يتبعوه. وهذا يشبه ما وضعته النصارى من أمانتهم التي جعلوها عقيدة إيمانهم، وردوا نصوص التوراة والإنجيل إليها، لكن تلك الأمانة اعتمدوا فيها على ما فهموه من نصوص الأنبياء أو ما بلغهم عنهم، وغلطوا في الفهم أو في تصديق الناقل،

1 / 6