Daqāʾiq al-tafsīr
دقائق التفسير
Editor
د. محمد السيد الجليند
Publisher
مؤسسة علوم القرآن
Edition Number
الثانية
Publication Year
١٤٠٤
Publisher Location
دمشق
فِي نفس الْكَافِر فَإِن الْبَاطِل ضد الْحق وَالْكذب ضد الصدْق فَمن اعتند فِي الله مَا هُوَ منزه عَنهُ كَانَ هَذَا ضدا للْإيمَان الصَّحِيح بِهِ
وَأما قَوْله النُّور ضد الظلمَة وَجل الْحق أَن يكون لَهُ ضد فَيُقَال لَهُ والحي ضد الْمَيِّت والعليم ضد الْجَاهِل والسميع والبصير وَالَّذِي يتَكَلَّم ضد الْأَصَم لأعمى الأبكم وَهَكَذَا سَائِر مَا سمى الله بِهِ من الْأَسْمَاء لَهَا أضداد وَهُوَ منزه عَن أَن يُسمى بأضدادها فجل الله أَن يكون مَيتا أَو عَاجِزا أَو فَقِيرا وَنَحْو ذَلِك
وَأما وجود مَخْلُوق لَهُ مَوْصُوف بضد صفته مثل وجود الْمَيِّت وَالْجَاهِل وَالْفَقِير والظالم فَهَذَا كثير بل غَالب أَسْمَائِهِ لَهَا أضداد مَوْجُودَة فِي الْمَوْجُودين وَلَا يُقَال لأولئك إِنَّهُم أضداد الله وَلَكِن يُقَال إِنَّهُم موصوفون بضد صِفَات الله فَإِن التضاد بَين إِنَّمَا يكن فِي الْمحل الْوَاحِد لَا فِي محلين فَمن كَانَ مَوْصُوفا بِالْمَوْتِ ضادته الْحَيَاة وَمن كَانَ مَوْصُوفا بِالْحَيَاةِ ضاده الْمَوْت وَالله سُبْحَانَهُ يمْتَنع أَن يكون ظلمَة أَو مَوْصُوفا بالظلمة كَمَا يمْتَنع أَن يكون مَيتا أَو مَوْصُوفا بِالْمَوْتِ فَهَذَا الْمُعْتَرض أَخذ لفظ الضِّدّ بالاشتراك وَلم يُمَيّز بَين الضِّدّ الَّذِي يضاد ثُبُوته ثُبُوت الْحق وَصِفَاته وأفعاله وَبَين أَن يكون فِي مخلوقاته مَا هُوَ مَوْصُوف بضد صِفَاته وَبَين مَا يضاده فِي أمره وَنَهْيه فالضد الأول هُوَ الْمُمْتَنع وَأما الْآخرَانِ فوجودهما كثير لَكِن لايقال إِنَّه ضد الله فَإِن المتصف بضد صِفَاته لم يضاده وَالَّذين قَالُوا النُّور ضد الظلمَة قَالُوا يمْتَنع اجْتِمَاعهمَا فِي عين وَاحِدَة وَلم يَقُولُوا أَنه يمْتَنع أَن يكون شَيْء مَوْصُوف بِأَنَّهُ نور وَشَيْء آخر مَوْصُوف بِأَنَّهُ ظلمَة فليتدبر الْعَاقِل هَذَا التعطيل والتخطيط
وَأما قَوْله لَو كَانَ نورا لم يجز إِضَافَته إِلَى نَفسه فِي قَوْله ﴿مثل نوره﴾ فَالْكَلَام عَلَيْهِ من طَرِيقين أَحدهمَا أَن نقُول النَّص فِي كتاب الله وَسنة رَسُوله قد سمى الله نور السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَقد أخبر النَّص أَن الله نور وَأخْبر أَيْضا أَنه يحتجب بِالنورِ فَهَذِهِ ثَلَاثَة أنوار فِي النَّص وَقد تقدم ذكر الأول
وَأما الثَّانِي قَوْله ﴿وأشرقت الأَرْض بِنور رَبهَا﴾ وَفِي قَوْله ﴿مثل نوره﴾ وَفِيمَا رَوَاهُ مُسلم فِي صَحِيحه عَن عبد الله بن عمر قَالَ قَالَ رَسُول الله ﷺ
إِن الله خلق خلقه فِي ظلمَة وَألقى عَلَيْهِم من نوره فَمن أَصَابَهُ من ذَلِك النُّور اهْتَدَى وَمن أخطأه ضل وَمِنْه قَوْله
2 / 477