Daqāʾiq al-tafsīr
دقائق التفسير
Editor
د. محمد السيد الجليند
Publisher
مؤسسة علوم القرآن
Edition Number
الثانية
Publication Year
١٤٠٤
Publisher Location
دمشق
وَحِينَئِذٍ يلْزمه أَن لَا يُنكر على من يَظْلمه ويشتمه وَيَأْخُذ مَاله وَيفْسد حريمه وَيضْرب عُنُقه وَيهْلك الْحَرْث والنسل وَهَؤُلَاء جَمِيعهم كذابون متناقضون فَإِن أحدهم لَا يزَال يذم هَذَا وَيبغض هَذَا وَيُخَالف هَذَا حَتَّى إِن الَّذِي يُنكر عَلَيْهِم يبغضونه ويعادونه وَيُنْكِرُونَ عَلَيْهِ فَإِذا كَانَ الْقدر حجَّة لمن فعل الْمُحرمَات وَترك الْوَاجِبَات لَزِمَهُم أَن لَا يذموا أحدا وَلَا يبغضوا أحدا وَلَا يَقُولُونَ عَن أحد أَنه ظَالِم وَلَو فعل مَا فعل وَمَعْلُوم أَن هَذَا لَا يُمكن أحدا فعله وَلَو فعل النَّاس هَذَا لهلك الْعَالم فَتبين أَن قَوْلهم فَاسد فِي الْعقل كَمَا أَنه كفر فِي الشَّرْع وَأَنَّهُمْ كذابون مفترون فِي قَوْلهم إِن الْقدر حجَّة للْعَبد
الْوَجْه الثَّانِي أَن هَذَا يلْزم مِنْهُ أَن يكون إِبْلِيس وَفرْعَوْن وَقوم نوح وَقوم هود وكل من أهلكه الله بذنوبه معذورين وَهَذَا من الْكفْر الَّذِي اتّفق عَلَيْهِ أَرْبَاب الْملَل
الْوَجْه الثَّالِث أَن هَذَا يلْزم مِنْهُ أَن لَا يفرق بَين أَوْلِيَاء الله وأعداء الله وَلَا بَين الْمُؤمنِينَ وَالْكفَّار وَلَا أهل الْجنَّة وَأهل النَّار وَقد قَالَ تَعَالَى ﴿وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى والبصير وَلَا الظُّلُمَات وَلَا النُّور وَلَا الظل وَلَا الحرور وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاء وَلَا الْأَمْوَات﴾ وَقَالَ تَعَالَى ﴿أم نجْعَل الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات كالمفسدين فِي الأَرْض أم نجْعَل الْمُتَّقِينَ كالفجار﴾ وَقَالَ تَعَالَى ﴿أم حسب الَّذين اجترحوا السَّيِّئَات أَن نجعلهم كَالَّذِين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات سَوَاء محياهم ومماتهم سَاءَ مَا يحكمون﴾ وَذَلِكَ أَن هَؤُلَاءِ جَمِيعهم سبقت لَهُم من الله تَعَالَى السوابق وَكتب الله تَعَالَى مقاديرهم قبل أَن يخلقهم وهم مَعَ هَذَا قد انقسموا إِلَى سعيد بِالْإِيمَان وَالْعَمَل الصَّالح وَإِلَى شقي بالْكفْر والفسوق والعصيان فَعلم بذلك أَن الْقَضَاء وَالْقدر لَيْسَ بِحجَّة لأحد على معاصي الله تَعَالَى
الْوَجْه الرَّابِع أَن الْقدر نؤمن بِهِ وَلَا نحتج بِهِ فَمن احْتج بِالْقدرِ فحجته داحضة وَمن اعتذر بِالْقدرِ فعذره غير مَقْبُول وَلَو كَانَ الِاحْتِجَاج بِالْقدرِ مَقْبُولًا لقبل من إِبْلِيس وَغَيره من العصاة وَلَو كَانَ الْقدر حجَّة للعباد لم يعذب الله أحدا من الْخلق لَا فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَة وَلَو كَانَ الْقدر حجَّة لم يقطع سَارِق وَلَا قتل قَاتل وَلَا أقيم حد على ذِي جريمة وَلَا جوهد فِي سَبِيل الله وَلَا أَمر بِمَعْرُوف وَلَا نهي عَن مُنكر
الْوَجْه الْخَامِس أَن النَّبِي ﷺ سُئِلَ عَن هَذَا فَإِنَّهُ قَالَ مَا مِنْكُم من أحد إِلَّا وَقد كتب مَقْعَده من النَّار ومقعده من الْجنَّة فَقيل يَا رَسُول الله أَفلا نَدع الْعَمَل ونتكل على
2 / 368