93

Dam Wa Cadala

الدم والعدالة: قصة الطبيب الباريسي الذي سطر تاريخ نقل الدم في القرن السابع عشر

Genres

لقد حان الوقت للاستعانة بمترجمه مرة أخرى. لم يعد المقال مجرد نقل لمقاله، لكنه استقى مادته من عدة مصادر. فقد ذكر أفكار الآخرين الذين يشارفون على النجاح في نقل الدم، وحذر بشدة من أنه في حال تنفيذها يجب ألا تنفذ إلا بحرص شديد، وعلى يد الأشخاص المناسبين. وكان ثمة إيحاء ضمني بأن كلا الشرطين السابقين لم يتحققا من قبل.

أدرك دوني أن أحلامه بتحقيق الشهرة والثراء السريع قد تلقت ضربة قاصمة؛ إذ لم يكتف المقال بالسخرية من عمل دوني بل ألقى بظلال الشك على ذلك المجال البحثي بأكمله.

وبينما لم ينتقد الجزء الأول من المقال دوني إلا ضمنا، فإن الجزء الأوسط منه لم يقف عند ذلك الحد؛ ففيه تناول المؤلف تناولا مباشرا ادعاء دوني السبق:

قبل أن ننتهي من هذه المسألة، هناك شيء ينبغي ذكره عن سبب حذر «الفضوليين» في إنجلترا من إجراء هذه التجربة على الإنسان. فقد أطلع العبقري سابق الذكر السيد دوني العالم على تجاربه في باريس وأخبرنا عن مدى نجاحها. كما نشر عمله في «جورنال دي سافونز» وابتهج لأن الفرنسيين أحرزوا تقدما على صعيد هذا الابتكار - من ناحية تجربته على البشر - قبل أي إنجليزي.

وبينما نقر فعلا بأنهم حسب علمنا أول من اتخذ تلك الخطوة، وأجرى عملية نقل الدم على إنسان، فأذنوا لنا أن نخبر العالم بأن الفلاسفة في إنجلترا كان بإمكانهم أن يجروا تلك العملية على الإنسان قبل وقت طويل إن لم يكونوا حريصين أشد الحرص على ألا يضروا بحياة الإنسان. فهدفهم دائما هو الحفاظ على الحياة وإنهاء المعاناة. كما أنهم يشعرون بخوف مبرر من أنه حال فشل التجربة ووفاة المريض، من الممكن أن يعرضوا أنفسهم لعقوبة قانونية. وينبغي الوضع في الحسبان أن عقوبات القانون في إنجلترا أشد من نظيرتها في دول أخرى عديدة.

لكن ذلك لا يعني أن الإنجليز لم يفكروا بهذا الأمر. ويؤكد الناشر بكل إخلاص أنه قبل عدة أشهر رأى بأم عينيه الأدوات جاهزة للاستخدام وشهد الطريقة التي اتفق عليها ورئي أنها مناسبة للتطبيق على الإنسان. وللإمعان في إثبات ما سبق، سنورد الطرق الكاملة التي وضعها العبقري الدكتور إدموند كينج لأجل ذلك الغرض وذكرها في خطاب له. وهذا هو السبق الحق؛ إذ لم ير السيد دوني ملائما وصف الطريقة التي استخدموها في فرنسا على الإنسان، ولا غيره بحسب ما نعرف.

جلس دوني وقد أسكتته الصدمة بينما تابع صديقه قراءة وصف طريقة لنقل الدم بين الحيوانات تشبه كثيرا ما نشر من قبل. ولم يستطع أن ينتقد الطريقة، ولم يكن لديه سبب لينتقدها؛ فقد كانت هي الطريقة نفسها التي استخدمها هو:

إننا لم نكن لنعلق على هذا الموضوع في هذا الوقت إن لم يكن من الواجب علينا تصحيح خطأ وجد في إحدى أحدث الدوريات الفرنسية التي تؤكد بثقة أن الفرنسيين هم من منح الإنجليز أولى الأفكار عن هذه التجربة. ولماذا؟ لأنهم (كما يزعمون) كانوا شهودا على أن أحد الرهبان البندكتيين وهو دوم روبرت دو جابتس ناقش الفكرة في منزل السيد دوني قبل عشر سنوات. ومن المؤكد أن كل العباقرة يقرون بأن الطريقة الوحيدة لحسم مثل هذه الخلافات هي وجود سجل علني مكتوب أو مطبوع. ويجب أن يرد فيه الزمان والمكان اللذان اقترح فيهما الابتكار للمرة الأولى وكذلك شرح للطريقة وحالات النجاح. وكل هذا ينطبق على إنجلترا.

صاح دوني: «أنا أول من نشرها. أنا أول من نشرها.» وقفز من مقعده وأخذ يجوب أرجاء الغرفة وهو يلوح بنسخة من الطبعة الأولى لدورية «مداولات فلسفية». وصرخ قائلا: «انظر، هنا، ها هو ذا مطبوع. سجل مادي للتاريخ. لقد كنت الأول إلى أن قرروا شن هجومهم لهدمي في محاولة لإعادة كتابة التاريخ»، وتقطع صوته من فرط السخط: «هل علي أن أصدر دورية خاصة بي لتصل أفكاري إلى القراء؟» اقترح صديق دوني عليه أن يجلس ويسمح له بمتابعة القراءة. لكن دوني رفض ووقف محدقا عبر النافذة ناظرا إلى المحاكم الواقعة على الجهة الأخرى من نهر السين. وكان سؤال «أين العدالة؟» هو كل ما كان يجول بخاطره. وتابع صديقه:

وتعرفنا المداولة السابعة (المطبوعة بتاريخ ديسمبر 1665) بعدد السنوات التي مرت منذ أن اقترح الدكتور كريستوفر رين تجربة نقل الدم إلى الأوردة. وكانت تلك إشارة كافية لدى الجمعية الملكية لترى إمكانية التحول من الحقن إلى نقل الدم في مرحلة ما في المستقبل. في الواقع، عندما عقدت الجمعية اجتماعا علنيا في 17 مايو 1665، أوصت بإجراء هذه التجربة. وإن ساورك الشك في ذلك، يمكنك الرجوع إلى العدد المناسب في الدورية الصادرة عن الجمعية، حيث سجلت التجربة على يد أمناء السر الملتزمين بميثاق الأمانة.

Unknown page