Dam Wa Cadala
الدم والعدالة: قصة الطبيب الباريسي الذي سطر تاريخ نقل الدم في القرن السابع عشر
Genres
كان ذلك عام 1666، وكان الكثيرون يتحسبون من سوء الطالع؛ فالرقم 666 يرمز في الإنجيل إلى الوحش، وهو الرقم الذي أقلق بوتر كثيرا. بينما كان الآخرون يواسون أنفسهم؛ فقد تجاوزوا لتوهم أسوأ موجات الطاعون التي عرفتها البشرية، وهؤلاء الذين نجوا كان مقدرا لهم النجاة. فما الأسوأ من ذلك؟! لكن عندما اندلع الحريق في الثاني من سبتمبر وظل مشتعلا إلى السابع من سبتمبر وجدوا الإجابة. وبدا من الثابت للكثيرين أن الشيطان كان يصب جام غضبه على المدينة.
في مساء الأول من ديسمبر، خلد سكان لندن إلى النوم كالمعتاد. كانت الفوضى تضرب أطنابها في المدينة، ورغم وجود قانون يقضي بأن تبنى البيوت من الحجارة ويكون لها أسقف من ألواح صخرية فقد كان كل شبر في المدينة مليئا بالبيوت المبنية بالعوارض الخشبية والقش. وأدت الرغبة في بناء بيوت أكبر على مساحات أصغر من الأرض إلى أن وضع الحرفيون المهرة طريقة يبرز فيها كل طابق مسافة قدم أو اثنين عن الطابق الذي أسفله، مما أدى إلى اتساع الطوابق العليا وإظلام الشوارع وتعفنها. وفي أماكن عديدة، لو صعدت الدرج في منزل إلى الطابق الثالث - بل إلى الطابق الرابع في بعض البيوت - كان يمكنك أن تفتح النافذة وتصافح جارك في المنزل المقابل. ربما وفر هذا طريقة لاستغلال كل الفراغ المتاح، لكنه كان طريقة مؤكدة لانتقال الحرائق من منزل إلى آخر.
وبحسب ما كتب بيبيس، اندلع الحريق في الليل بعد موجة طويلة حارة وجافة:
2 سبتمبر 1666
كان بعض الخادمات مستيقظات حتى وقت متأخر من الليلة الماضية للإعداد للوليمة التي نقيمها اليوم؛ أيقظتنا جين في حوالي الثالثة فجرا لتخبرنا أنهن رأين حريقا هائلا في المدينة؛ لذا نهضت وارتديت ثياب المساء وذهبت لنافذتها، وظننت أن الحريق عند أقصى نهاية شارع ماركيلين؛ لكني ومع عدم اعتيادي على الحرائق على النحو الذي أعقب ذلك، فقد رأيت أنها بعيدة بما يكفي؛ لذا عدت إلى الفراش وواصلت النوم.
وتحولت هذه الاستهانة إلى ذهول، عندما أخبرته خادمته في السابعة صباحا أن 300 منزل احترقوا في أثناء الليل. وزاد ضيق بيبيس عندما ركب قاربا في نهر التيمز واكتشف حجم الحريق. وعندما التقى صديقه ملازم برج لندن، اكتشف بيبيس أن الحريق بدأ في منزل خباز الملك في بودينج لين. وفي منتصف فترة ما بعد الظهيرة، بدأ جنود الجيش في تفجير المنازل لعزل الحريق، ونجحوا في منع الحريق من الوصول إلى البرج. وبعد خمسة أيام ملأ الدخان نهارها وأضاء اللهب ليلها، أمكن السيطرة على الحريق، لكن ليس قبل أن تحترق كنيسة القديس بولس ومعها 13 ألف مبنى تضمنت 97 أبرشية وبضائع قدرت وقتها ب 3,5 ملايين جنيه استرليني دمرت تماما. ومن اللافت أن الحريق توقف قبل مسافة قصيرة من منزل بيبيس.
ورغم أن ستة أشخاص فقط هم من لقوا مصرعهم على إثر الحريق مباشرة، فقد اجتاح الناس موجة من رهاب الأجانب؛ وهي صورة مبكرة تقريبا من التطهير العرقي. وانتشرت شائعة عن أن الحريق نتج عن مؤامرة خسيسة، وقتل عدد كبير من الأجانب، خاصة من الهولنديين، دون محاكمة.
لم يشهد لوور هذا الدمار، حيث كانت لديه مشاغل أخرى ليهتم بها - بالتحديد بحثه عن زوجة - وهو ما تطلب رحلة أخرى إلى كورنوول. وخلال غيابه، اقترعت الجمعية الملكية في 17 أكتوبر لقبول انضمامه زميلا للجمعية، وفي 17 نوفمبر، تزوج إليزابيث بيلينجز - وهي سيدة كانت تمتلك أرضا. هكذا، بات يتمتع بصيت أكاديمي ذائع، ودعم مادي من الأملاك بالقرب من تريميير في كورنوول؛ لذا كان عائدا إلى ما تبقى من لندن أواخر ذلك العام بشعور بالانتصار الكبير.
ونظرا لتدمير ستة من بين كل سبعة منازل داخل أسوار المدينة، خلق حريق لندن أزمة سكن. فيما نجت كلية جريشام، التي كانت في موقع البرج 42 الآن (والمعروف سابقا ببرج ناتويست)، من الحريق وأصبحت من الأصول القيمة؛ بل ربما كانت قيمتها أكبر من أن تشغل الجمعية الملكية مساحة كبيرة منها. ومع تحول مبنى سوق الأوراق المالية إلى أنقاض، انتقل هذا القلب المالي للمدينة إلى ذلك الموقع طاردا العلماء خارجه ما بين عشية وضحاها. لكن برز متبرع جديد، وهو هنري هاورد الذي أصبح لاحقا الدوق السادس لنورفولك؛ إذ لم يمس الحريق ممتلكاته هو الآخر، فدعا الجمعية الملكية للانتقال إلى أرونديل هاوس - المتفرع من طريق ستراند، وهو الموقع الذي تقع فيه كلية الملك (كنجز كوليدج) في الوقت الحالي.
أتاح أرونديل هاوس للجمعية موقعا جيدا لعقد اللقاءات والمناقشات، إلا أنه لم يكن مناسبا لأي أعمال تشريح؛ لذا استأجرت الجمعية غرفة صغيرة وقريبة تقع في مواجهة نهر التيمز، وكانت مكانا مناسبا لأن يجري لوور فيها تجاربه في التشريح.
Unknown page