Dam Wa Cadala
الدم والعدالة: قصة الطبيب الباريسي الذي سطر تاريخ نقل الدم في القرن السابع عشر
Genres
لم يبد على القاضي الاهتمام.
استطرد المحامي: «إنني على قناعة بأنكم تتهمون الشخص الخطأ بجريمة القتل هذه. وأود أن أعرض القضية، وأورد القرائن التي تدين فردا آخر من العامة ينبغي أن يكون حاضرا بين هذه الجدران بحسب ما تحتم الضرورة، لكنه يبدو غائبا.» ضاقت عينا لاموانيو، وجالت بين الشرفات، وكأنها تبحث عن جاسوس: «إنني أرى أن السيدة موروا ينبغي أن تحضر وتسأل عن أفعالها، فهي كما يبدو مسئولة عن كثير. على الأقل ينبغي أن تتحمل مسئولية تقصيرها في اتباع النصيحة السليمة.»
رد القاضي قائلا: «قد يكون هذا صحيحا، لكن الاتهام موجه حاليا للسيد دوني، وهناك أسئلة عليه أن يجيب عنها. إنك تشكو من تجاهل السيدة السافر للنصح، لكن أليس صحيحا أن دوني هو الآخر لم يلتفت، أو تجاهل نداءات الحذر من أهل الطب؟» «إن كنتم تميلون إلى الشك في حذره وممانعته فاعلموا ما يلي. لم يكن دوني هو من سعى وراء موروا، لكن زوجته هي من أزعجته وتوسلت إليه. وإن كنتم تقصدون أنه تجاهل من هم أرفع مقاما فهذا أيضا غير صحيح؟ فلقد جاءت دعوات وقف هذه الطريقة من كلية الطب الباريسية، لكن دوني درس في مونبيلييه . فلم عليه أن يتقيد بعقول باريس الجامدة؟»
قال القاضي في إصرار: «لكن يا سيد دوني، أليس من المنصف أن نقول إنك كنت ستسعى في تلهف لإجراء التجربة إن سنحت الفرصة؟» «إنني أؤمن بنفعها؛ لذا أبحث بالطبع عن الأوقات المناسبة لاستخدام هذه الطريقة؛ إلا أن هذه المرة لم تكن واحدة من الأوقات المناسبة.» «لكنك تابعت عملك ونقلت الدم!»
رد دوني: «لا يا سيادة القاضي. لقد امتلأت الليلة بالفوضى، لكننا لم نصل قط في أي لحظة من العملية إلى فتح شريان العجل وتوصيله بالإبرة التي في ذراع السيد موروا. لقد دخل الرجل في نوبات صرع عنيفة بمجرد أن حاولنا بدء العملية، فاضطررنا إلى التوقف. فما من سبيل لكي نتمكن من نقل الدم في هذه الحالة. كان من الممكن أن ننقذ حياته لو فعلنا، لكن في ضوء حالته الصحية المزرية لم نكن في وضع يسمح لنا بالاستمرار. فقد كانت حياته بين يدي الرب وكان من الواضح أنه تجاوز ما يمكن لأي فن من فنون الطب أن يقدمه.»
استطرد القاضي: «هل أنت متأكد من هذا؟» «تماما.» «هل لديك شهود؟» «ليس في هذه الواقعة. فكل الحاضرين كانوا أنا وإميري والسيد موروا وحرمه.» «ونعم الشهود!» قالها القاضي ودون شيئا على عجل: «ولم يجر أي فحص للجثة كذلك؟»
تدخل محامي الدفاع: «لم يكن هذا ذنب موكلي، سيادة القاضي. فالخطوة التالية كانت واضحة أمام السيد دوني؛ إذ كان بحاجة ليجري تشريحا للجثة، وبسرعة. وكان حريصا على هذا لسببين؛ أولهما: أن تلك كانت مسألة تتعلق بالعلم؛ فقد أجريت عمليتا نقل دم، وكان موكلي حريصا على البحث عن آثار دخول دم العجل. والثاني: أنه أراد أن يبحث عن أي أعراض تسمم، نعم تسمم. فقد كانت هناك شائعات تقول إن زوجة موروا إذ يئست جراء العنف الزائد هددت في عدة مواقف بقتله حالما تسنح الفرصة. وكانت تلك الكلمات وقتها تؤخذ على محمل الدعابة السوداء ، لكن الطبيب الجيد ينظر في كل احتمال قبل أن يكون تشخيصا.»
تدخل دوني: «لذا ولكي يمكن الوثوق في كلمتنا جمعنا سبعا أو ثمانية أطباء ليكونوا شهودا واتجهنا لمنزل موروا. وعلى النقيض تماما من الزيارة السابقة، لم أتلق أي ترحيب، بل أصرت الأرملة على ألا ندخل بيتها. وكانت مصممة على ألا نفحص جثة زوجها. ألا ترى هذا غريبا؟ فقبلها بيوم جررت إليه جرا؛ والآن أنا ممنوع. وطبقا للجيران، فقد قضت بقية اليوم بمجرد أن غادرنا في سعي محموم لتنهي ترتيبات دفنه، لكنها لم تتمكن من إتمام المهمة في ذلك اليوم. ستدرك السرعة التي انتشر بها خبر الواقعة في مقاهي باريس وملتقياتها؛ لذا ليس من الغريب سماع أحد أشهر أعضاء كلية الطب بباريس بخبر وفاة موروا ذلك المساء. لم يكن مؤيدا لعملي ورأى في ذلك فرصة لإقامة الحجة علي. فأرسل جراحين لفحص الجثة، لكن أرملة موروا رفضت أيضا السماح لهم، بل كذبت في تلك المرة قائلة إن الدفن قد حدث بالفعل.
بعد ذلك، قررت أنا والطبيب - في اتفاق نادرا ما يحدث بين أفكارنا - أن الشيء الوحيد الذي يمكن عمله هو أن نذهب معا إلى منزلها ونأخذ الجثة بالقوة. واتفقنا على أن نقوم بهذه المغامرة في الصباح، لكن بحلول هذا الوقت اكتشفنا أنها أتمت الدفن بالفعل قبلها بساعات في جنح الظلام وقبل الفجر بقليل.»
كان من الممكن - حسبما تابع قصته - أن تكون هذه نهاية التجربة بكل بساطة وآخر ما يسمع عن هذين الزوجين البائسين. وبالفعل، قرر الطبيب أن يستسلم وألا يقول أي شيء آخر. لكن سرعان ما أصبح هذا خيارا غير متاح؛ لأن «أعداء التجربة» فرحوا بهذا التسلسل المؤسف للأحداث وسعوا لاستغلال الموقف. وكانت أولى خطواتهم هي نشر كتيب يشجب فكرة هذا العلاج بالكامل. قال دوني: «وعندما التزمت الصمت، أشاعوا أن صمتي كان بسبب اتفاقي معهم وأنني لم أعد أريد مزاولة هذه المهنة.»
Unknown page