Dam Wa Cadala
الدم والعدالة: قصة الطبيب الباريسي الذي سطر تاريخ نقل الدم في القرن السابع عشر
Genres
قال بيرو: «بالنظر في المسالة برمتها، أتساءل فعلا عما إذا كان أي من عمليات نقل الدم تلك قد تم بالفعل.» قال ذلك متراجعا إلى الخلف في كرسيه وراح يحك صدغيه علامة على التفكير: «فانظر مثلا إلى الكلب الذي رقد على ظهره طوال ساعة بينما يفرغ من دمه ويحل محله دم من كلب آخر. من المفترض أن نصدق أن الكلب بعد عملية نقل دم كبيرة اكتفى بتحريك أذنيه ولم يعان بعدها. يدهشني أن التفسير الأرجح هو أنه بمجرد بدء العملية تجلط الدم في الوريد مانعا دخول أي دم آخر. واستفاد الحيوان على الأرجح من فقدان بعض دمه لأن جسمه كان به دم زائد من البداية. للأسف، لم يكن هناك أي محاولة جدية - إن وجدت - لقياس كمية الدم التي مرت من أحد الكلبين للآخر بدقة؛ لذا فما من سبيل للتأكد من الرواية الأصلية ولا التفسير البديل.»
أولدنبرج: «إنني حزين - وإن كنت غير مندهش - من عودة نقاشنا اليوم إلى الفلسفة بهذه الدرجة بدلا من أن يقوم على أسس الأدلة التجريبية. فكثيرا ما يفند معارضو نقل الدم التجارب باستخدام المنطق وبمنظومة من الحجج المعدة بعناية التي تدرس في المدارس الأكاديمية، معتقدين كما يتضح أن هذا هو كل ما هو ضروري لصياغة جدل يؤيد أو يعارض أي أفكار. لكن التجارب خير من أي جدال، وينبغي أن يترك للبيانات الحكم والكلمة الأخيرة ، خاصة في مسائل الفلسفة الطبيعية والطب.»
18
دي باسريل: «فعلا. وعلى زميلنا المتعلم أن يسترجع شيئا من التاريخ . فمثلا منذ مائة سنة اكتشفت كلية الطب أن بعض المواد الكيميائية تسبب المرض وأدرجتها ضمن السموم.»
سأل أولدنبرج: «هل تقصد الأنتيمون؟»
رد دي باسريل: «نعم، والزئبق والراوند. لكن بعدها شفي الملك باستخدام الأنتيمون، وعليه أصدر مرسوما ملكيا معارضا للكلية يقول فيه إنه علاج فعال وإنهم تسرعوا في استبعاده.»
تولى أولدنبرج زمام المناقشة: «والآن يعد ملينا فعالا وحلا في جعبة الطبيب. ولا يقتصر الأمر على سماح الكلية باستخدامه، بل إنهم يصفونه كدواء. فما السبب في تغير تلك النظرة؟ البيانات. فعندما رؤي أنه عالج كثيرين، بمن فيهم الملك الأشد التزاما بالمسيحية، اقتنع الجميع، ورفضت كل الحجج البارعة في العالم التي تخالف ما سبق. وكذلك الحال مع العلاجات التي يستخدمها الأطباء. ففي مراحل مختلفة حظر باقي أهل المهنة واحدا منها. إن الإنسان العاقل هو الذي يسترشد بالتجربة.
لكن نقل الدم شيء جديد، وحسبما نعلم لم يجر في العصور السابقة. وفي هذه الحالة لا يمكن للعباقرة وللراغبين في رؤية البشرية في رخاء إلا أن يقدموا قليلا مما يعرفونه لكي يتمكن غيرهم من الأطباء الكرماء غير المتحيزين من تجربته. وبهذه الطريقة نبني خبرتنا وسنكون في موضع أفضل، يسمح لنا بأن نحكم بما إذا كانت تناسب جسم الإنسان. لكن الوضع ليس بهذه البساطة؛ فمن ناحية يقول الناس إنه بما أن الأمر يرتبط بالصحة وحياة البشر فلا يمكن لأي قدر من الدراسة أن يزيد عن الحد. ومن الناحية الأخرى يرفض هؤلاء المتكبرون ...» وأشاح أولدنبرج بنظره في اتجاه ممثلي الكلية الثلاثة «... أي حقيقة أو برهان لم يفكروا هم فيه. فخير الناس هو من لا يأتي بحكم مسبق، بل يجري التجارب الكثيرة بعناية ويكون رأيه. ولهذا السبب أطلب ممن في السلطة أن يأمروا عددا من الأطباء والجراحين المنفتحين والموثوق فيهم بإجراء تجارب كثيرة تهدف إلى معرفة الإمكانيات الحقيقية لهذه الطريقة.»
19
بيرو: «لكن لا تتجاهل أيا منهما؛ فالمنطق والتجربة يتضافران معا كأداتين ثمينتين ، ولا يسلم كل منهما من الخطأ. فعليك أن تصحح التجربة بالمنطق وتصحح المنطق بالتجربة. هذا يتطلب دقة وتطبيقا أعظم - في رأيي - مما استخدمه هؤلاء الذين لا يشكون مطلقا في الفوائد التي يجلبها نقل الدم من حيوان لآخر؛ إذ يمكنك من التجارب الموجودة حتى الآن استنتاج أن نقل الدم مفيد، لكن في الوقت ذاته من الخطأ - على الأرجح - أن نصف تلك التجارب بالبغيضة أو الخبيثة. على كل حال، يبدو من الأرجح أن الحيوانات تتحمل معاناة نقل الدم لا أنها تتعافى بمساعدته. ربما تصل الحيوانات للنتيجة نفسها إذا جرى حقنها بماء كدر أو سائل غريب آخر.»
Unknown page