119

Dam Wa Cadala

الدم والعدالة: قصة الطبيب الباريسي الذي سطر تاريخ نقل الدم في القرن السابع عشر

Genres

قبل أن ننشغل بالتفاصيل الدقيقة لهذا العلاج المرتقب، فإن لي أنا أيضا رجاء.» كانت الكلمات لبيرو. كان بيرو - مثل رين - قد بدأ مسيرته بالتركيز على الأبحاث البيولوجية والطبية، لكن اهتمامه بعد أن تقدم به العمر تحول من الكائنات الحية إلى الاشتغال بالعمارة. إلا أن هذا لم يمنعه من الاشتراك في النقاش حول نقل الدم؛ إذ كان مهتما بفهم العلم المبني عليه، وبمعرفة تسلسل الأحداث التي انتهت بدوني في قاعة المحكمة: «لقد جعلت همي في الأشهر الماضية أن أقرأ وأدقق في كل الأخبار والكتيبات ذات الصلة التي نشرها المجتمعون هنا اليوم، وأنا أتحقق حاليا من معلومات واردة في خبر ستنشره الأكاديمية الملكية للعلوم عام 1688. ولدي رسام في هذه اللحظة يشتغل بلوحتين مائيتين رائعتين تصوران طريقة نقل الدم. ورجائي ما يلي: التزموا بالحقيقة دونما مبالغة أو انحراف، فهذا هو السبيل الوحيد لتحقيق أي تقدم.»

توقف لبرهة، وأخذ يتفقد الحضور ممررا نظراته بين وجوههم ومتحديا أيا منهم أن يختلف معه. لم ينبس أحد ببنت شفة. لم يرد أحد - خاصة في عهد العلم الحديث ذاك حيث ينظر إلى الملاحظات المسجلة بعناية باعتبارها شيئا ثمينا - أن يعترض على هذه النقطة.

يتابع بيرو: «نحن أمام خطر داهم يتمثل في قلب الرأي العام ضدنا. ستنتهي محاكمة دوني قريبا، ويعم اللغط بالفعل بين الناس الذين لديهم الرغبة من جديد لأن يرووا تعطشهم للفضائح والمؤامرات بالافتراء والتشهير الوفيرين. وتزخر الملتقيات بأحاديث عن الرشوة والفساد، وأن دوني على وشك رفع دعاوى مقابلة ضد خصومه، وكلهم أطباء أكفاء. وهذا يكسب مهنة الطب سمعة سيئة.»

ينادى أولدنبرج: «صحيح تماما.»

يستكمل بيرو: «ليس الأمر كما لو كنا قادرين على تحمل هذا الهجوم! من السهل أن تنجرفوا مع عملكم الحماسي في المعامل والمكتبات وتنسوا أهمية استمالة المعرفة والرأي العام إلى جانبكم في الوقت ذاته. فكل معرفتكم الرائعة قد حجبت رؤيتكم، فلا تدركون أن الناس لا يزالون يفضلون الذهاب إلى الدجالين الهواة على الذهاب إلى الأطباء المدربين. قد تظنون الأمر غريبا، لكن منطقهم يبدو سليما لأول وهلة؛ فالرأي العام يقول إن الناس يموتون على أيدي الأطباء أكثر من الدجالين. وقد يكون ذلك صحيحا. لكن فكروا في الأمر؛ فالأطباء لا يستدعون إلا من أجل الحالات المرضية الحرجة. إن هذا يشبه قولنا إن علينا أن نتخلص من البحارة لأن معدل غرق السفن يكون أعلى إن كان على متنها بحار، دون الأخذ في الاعتبار أنه يتم الاستعانة ببحار فقط إذا كانت تبحر في أمواج عاتية . أجل، إن نقاش اليوم يتمحور حول العلم. لكن القضية الأوسع نطاقا هي مهنتنا؛ فلنحافظ على العلم نقيا كي يتسنى للطب أن ينتصر على الرأي العام.»

1

ينتفض دوني واقفا ويقول: «إن سمحتم لي بالرد، توحي تعليقات السيد بيرو، بأنني بالغت وربما كذبت. وأنا أرفض هذا الادعاء بشدة؛ فلم أفعل، وعملي الأولي كان ناجحا جدا، وقد بذلت كل ما في وسعي لوصف حالة المرضى بالتفصيل. تذكروا القول المأثور: لا شيء أجمل من الحقيقة، والحقيقة وحدها تكفي.»

من القرن السابع عشر، وحتى القرن العشرين، لم يغضب العلماء شيء أكثر من اكتشاف أن زملاءهم قد بالغوا أو حتى زيفوا تقاريرهم. وفي حال اكتشاف أي أكاذيب فهناك فضيحة، تدمر وظائف في أغلب الأحيان، وتترك المؤسسات تقاتل في حملة علاقات عامة عصيبة. وهناك نقطة أخطر. فالتقارير المزيفة تدمر العلم أيضا، لأن الباحثين الآخرين يبنون أعمالهم على أرضية غير صلبة في أحسن الأحوال. وفي مجال الصحة يمكن للتأثير أن يكون فوريا؛ إذ تؤثر التقارير المغلوطة في القرارات العلاجية. وقد يصل الأمر لأن يكون البحث المزور لشخص ما حكما بالإعدام على آخر.

كان دوني قلقا كذلك من أن يشكك أحد في صدق كلمته. فقد كان بحاجة لأن تكون صورته أنقى من النقاء إن أراد أن يفوز بالقضية القادمة.

إلا أنه كان من الواضح أن بيرو كان مهتما ببعض التقارير عن عمليات نقل الدم: «توجد أسباب كثيرة تدفع للاعتقاد بأن عمليات نقل الدم لا يمكن أن تنجح لدرجة تفرض عليك التشكيك في حقيقة بعض الروايات وخاصة تلك الواردة من إنجلترا.»

Unknown page