Al-Dalīl waʾl-burhān li-Abī Yaʿqūb al-Wārijlānī
الدليل والبرهان لأبي يعقوب الوارجلاني
Genres
وقال ابن المقفع : (هؤلاء قوم تقدمت لأوائلهم هذه الأمور ، فجروا على أسلوبهم ، ونشأوا عليها).
ثم قال : ( من أعقل الخلق ؟ ) .
قالوا : ( الفرس ) .
قال : ( فبماذا ؟ )
قالوا : ( إنهم أتوا الملك في الدنيا على جميع أقطار الأرض ، فساسوها وأحسنوا تدبيرها ، واستخرجوا بعقولها سياسة الملك فساسوا بها الدنيا ، فصاروا للأنام كالشمس للدنيا ) .
فقال : ( هؤلاء قوم استظهروا بالصعاليك على المماليك ، وبالأجناد على العباد ، فجرت على أسلوب واحد ) .
ثم قال : ( فمن أعقل الخلق ؟ )
قالوا : ( الروم ) .
فقال : ( بماذا ؟ )
قالوا : ( قد أوتوا عظيم الجثة في أبدانهم ، والقوة في مفاصلهم ، فاقتدروا على صنعة الهياكل العظيمة ، والصنائع العجيبة ، وعجائب الأشكال والصور والاقتدار على مقاساة الأسفار في البر والبحر ) .
فقال ابن المقفع : ( هؤلاء قوم جادت بلادهم لهم بآلات الصنع ، فظهر في جميع ذلك الصنع غرائب ما في الدنيا من البدع ) .
قال : ( من أعقل الخلق ؟ )
قالوا : ( الله أعلم ) . فرفعوا إليه رؤوسهم ، فقال لهم : ( أعقل الخلق العرب .. ) فتعجب كثير ممن حضره ، واستعظموا قوله واستغربوه .
فقالوا : ( بم ذلك ؟ )
قال : ( إنهم نشأوا في البادية ، ليس لهم ملوك تسوسهم في أمر دنياهم ، ولا أنبياء ولا علماء تفقههم في دينهم ، ولم يؤتوا أموالا يستخدمون بها ، ويستخرجون بها صنائع الدنيا ، فالسماء سقفهم والأرض فراشهم .
Page 62