وأشباهِ ذلك مما لا يُحصى ولا يُعَدُّ وأرد المعن على أن يَسْلَمَ لك مع قَلْبِ طَرَفَيْ الجملة١، وقُلْ: "ليس المسكُ إلا الطيبَ"، و"أليس خيرُ مَنْ ركبَ المطايا إياكم؟ "، و"أليس ابنُ الألى سعِدوا وسادوا إِيَّاكَ"؟ ٢ تعلمْ أنَّ الأمرَ على ما عرَّفْتُك من وجوبِ اختلاف المعنى بحسب التقديم والتأخير.
المبتدأ مبتدأ لأنه مسند إليه والخبر خبر لأنه مسند تثبت به وبيان ذلك:
٢٠٩ - وههنا نكتة جيب القطعُ معها بوجوبِ هذا الفرقِ أبدًا، وهي أنَّ المبتدأَ لم يكُنْ مبتدأً لأنه منطوقٌ به أولًا، ولا كان الخبر خبرًا لنه مذكورٌ بَعْد المبتدأ، بل كان المبتدأُ مبتدأً لنه مُسْندٌ إليه ومُثْبَتٌ له المعنى، والخبَرُ خبرًا لأنه مسنَدٌ ومثْبَتٌ به المعنى.
تفْسير ذلك: أنَّك إذا قلتَ: "زيدٌ منطلقٌ" فقد أثبتَّ الانطلاقَ لزيدٍ وأَسندْتَه إليه، فَزَيدٌ مثبَتٌ له، ومنطلق مثْبَتٌ به، وأمَّا تقديمُ المبتدأ على الخبرِ لفظًا، فحكْمٌ واجبٌ من هذِه الجهة، أي من جهِة أنْ كان المبتدأُ هو الذي يُثْبَتُ له المعنى ويسند إليه، والخبَرُ هو الذي يُثْبَتُ به المعنى ويُسنَد. ولو كان المبتدأ مبتدأ لنه في اللفظ مقدَّمٌ مبدوءٌ به، لكان يَنبغي أن يَخْرج عن كونِه مبتدأ بأن يقالَ: "منطلقٌ زيدٌ"، ولوجَبَ أن يكونَ قولُهم: "إن الخبرَ مقدَّمٌ في اللفظِ والنيَّةُ به التأخيرُ"، مُحالًا. وإذا كان هذا كذلك ثم جئتَ بمعرفتين فجعلتهما متبدأ وخبرًا فقد وجَبَ وجوبًا أن تكونَ مثبِتًا بالثاني معنى للأول. فإذا قلت: "زيدًا أخوك"، كنتَ قد أثبتَّ بأخوك معنى لزيدٍ، وإذا قدمت وأخرت فقلت:
١ "وأرد المعنى"، سياقه في اول الفقرة: وإن أردت أن تعرف ذلك، فانظر ... وأراد المعنى".
٢ السياق: "فانظر .... وأرد المعنى ... تعلم".