179

Dalail Icjaz

دلائل الإعجاز

Investigator

محمود محمد شاكر أبو فهر

Publisher

مطبعة المدني بالقاهرة

Edition Number

الثالثة ١٤١٣هـ

Publication Year

١٩٩٢م

Publisher Location

دار المدني بجدة

مثال آخر نادر لطيف في الخدمة:
١٧٢ - واعلمْ أنَّ هذا الذي ذكَرْنا ليس بصريحٍ: "أكرمت وأكرمني عبد الله"١ لكنه شبيهٌ به في أنه إنَّما حُذِفَ الذي حذف من مفعول "المشيئة" و"الإرادة"، لن الذي يأتي في جوابِ "لو" وأخَواتها يدلُّ عليه.
١٧٣ - وإذا أردتَ ما هو صريحٌ في ذلك، ثم هو نادرٌ لطيفٌ يَنْطوي على معنى دقيقٍ وفائدةٍ جليلةٍ، فانظُرْ إلى بيتِ البحتري:
قد طَلَبْنا فلم نَجدْ لكَ في السُّؤْ ... دُدِ والمَجْد والمَكَارِم مِثْلا٢
المعنى: قد طَلَبْنا لك مِثْلًا، ثم حذَفَ، لأنَّ ذكْرَه في الثاني يدلُّ عليه، ثم إنَّ للمجيءِ به كذلك مِن الحُسْن والمَزيَّة والرَّوعة ما لا يَخْفَى٣. ولو أنه قال: "قد طلبَنْا لكَ في السؤددِ والمجدِ والمكارمِ مَثَلًا فلم نَجِدْه"، لم تَرَ مِنْ هذا الحُسْن الذي تَراه شيئًا٤. وسببُ ذلك أَنَّ الذي هو الأصْلُ في المدح والغرض بالحقيقة، هو نَفْي الوجودِ عنِ "المثل"، فأَمَّا "الطلبُ"، فكالشيءِ يُذكر ليُبنى عليه الغَرَضُ ويُؤَكَّد به أَمْرُه. وإذا كان هذا كذلك، فلو أنه قالَ: "قد طلبَنْا لكَ في السؤددِ والمجدِ والمكارمِ مِثْلًا فلم نَجدْه"، لكان يكونُ قد تركَ أن يُوقِعَ نفْيَ الوجودِ على صريحِ لفظِ "المِثْل"، وأوْقَعَه على ضميرِه. ولن تبلغَ الكنايةُ مبلغَ التصريح أبدًا٥.

١ انظر أول الفقرة رقم: ١٦٦.
٢ في ديوانه.
٣ في المطبوعة وحدها: "في المجيء به".
٤ من أول قوله هنا: "لم تر من هذا الحسن" إلى قوله بعد أسطر: "مثلًا فلم نجده"، ساقط في "س".
٥ في المطبوعة وحدها: "مبلغ الصريح".

1 / 168