162

Dalail Icjaz

دلائل الإعجاز

Investigator

محمود محمد شاكر أبو فهر

Publisher

مطبعة المدني بالقاهرة

Edition Number

الثالثة ١٤١٣هـ

Publication Year

١٩٩٢م

Publisher Location

دار المدني بجدة

١٤٧ - فتأمَّل الآنَ هذه الأبياتَ كلَّها، واسْتَقْرِها واحدًا واحدًا، وانظرْ إلى مَوقِعها في نفسِك، وإلى ما تَجدُه مِنَ اللطفِ والظَّرْفِ إذا أنتَ مررت بموضع الحذف منها، ثم فليت النفسَ عما تَجدُ١، وأَلْطفْتَ النظَرَ فيما تُحِسُّ به. ثُمَّ تَكلَّفْ أَن تَرُدَّ ما حذَفَ الشاعرُ، وأن تُخرجَه إلى لفظِك، وتُوقِعَه في سمعكَ، فإِنك تَعلمُ أنَّ الذي قلتُ كما قلتُ، وأنْ رُبَّ حَذْفٍ هو قِلادَةُ الجِيد، وقاعدةُ التَّجويد، وإنْ أردتَ ما هو أَصْدقُ من ذلك شهادةً، وأدلُّ دلالةً، فانظرْ إلى قولِ عبدِ الله بنِ الزَّبير يذكُر غريمًا له قد ألح عليه:
عرَضْتُ على زيدٍ ليأخذَ بعضَ ما ... يُحاوِلُه قَبْلَ اعتراضِ الشَّواغِلِ
فدَبَّ دبيبَ البغْلِ يأْلَمُ ظَهْرُهُ ... وقالَ: تَعلَّمْ، أَنني غيرُ فاعلِ
تثاءَبَ حتى قلْتُ: داسِعُ نفْسِه ... وأَخْرَجَ أَنيابًا لهُ كالمَعَاوِلِ٢
الأَصلُ: حتى قلتُ: "هو داسِعُ نفْسِه"، أي حسبْتُه من شدِّة التَّثاؤب، وممَّا به من الجهْدِ، يقذِفُ نفْسَه من جوفه، ويُخرجُها من صدره، كما يدْسَعُ البعيرُ جِرَّته. ثم إنَّك تَرى نصْبةَ الكلام وهيئتَه تَرومُ منك أنْ تَنْسى هذا المبتدأ، وتباعدَه عن وَهْمك، وتَجتهدُ أن لا يدورَ في خَلَدِكَ، ولا يَعْرِضَ لخاطرك، وتَراكَ كأنَّك تَتوقَّاه تَوَقِّيَ الشِّيءِ تكره مكانه، والثقيل تخشى هجومه.
أمثلة من لطيف حذف المبتدأ:
١٤٨ - ومن لَطِيفِ الحَذْف قولُ بكْر بن النَّطَّاح:

١ في المطبوعة: "ثم قلبت"، و"فليت"، فنشت.
٢ في مجموع شعره: ١١٥، عن الأغاني ١٤: ٢٤٠، ٢٤١، وغريم عبد الله يقال له: "ذئب"، كما ذكر صاحب الأغاني، ولكنه جاء فيا لشعر ناك وهنا "عرضت على زيد". و"دسع البعير بجرته"، دفع الطعام فأخرجه من جوفه، ومضغه مرة أخرى.

1 / 151