88

Dala'il al-I'jaz

دلائل الإعجاز ت الأيوبي

Investigator

ياسين الأيوبي

Publisher

المكتبة العصرية

Edition Number

الأولى

Publisher Location

الدار النموذجية

Genres

فقيل لنا: قد سَمِعْنا ما قلْتُم، فخَبِّرونا عنهم، عَمَّاذا عَجِزوا؟ أَعَنْ مَعانٍ في دقة مَعانيه وحُسْنهِا وصحتها في العقول؟ أمْ عن ألفاظٍ مِثْلِ ألفاظه؟ فإِنْ قلْتُم: عن الألفاظ. فماذا أَعْجَزَهم من اللفظ؟ أمْ ما بَهَرَهُم منه؟ فقلنا: أَعْجَزَتْهم مزايا ظَهَرَتْ لهم في نَظْمه، وخصائصُ صادَفُوها في سِياق لفظه، وبدائعُ راعَتْهم من مبادئ آيهِ ومَقَاطعها، ومَجاري ألفاظها ومَواقِعها، وفي مَضْرَبِ كلِّ مَثَلٍ، ومَساقِ كلِّ خبر، وصُورةِ كلِّ عِظَةٍ وتنبيهٍ وإعلام، وتَذكيرٍ وترغيبٍ وترهيبٍ، ومع كلِّ حُجَّةٍ وبرهانٍ، وصفةٍ وتِبْيان؛ وبَهَرهم أنهم تَأَمَّلوه سورةً سورةً، وعَشْرًا عشْرًا، وآيةً آية، فلم يَجدوا في الجميع كلمةً يَنْبُوا بها مكانُها، ولفظةً يُنْكَرُ شأنُها، أو يُرى أنَّ غيرَها أَصلحُ هناك أو أشْبَهُ، أو أَحْرى وأخْلَقُ؛ بل وَجدوا اتِّساعًا بَهَرَ العقولَ، وأَعْجَز الجُمهورَ، ونظامًا والتئامًا، وإتْقانًا وإحكامًا، لم يَدَعْ في نَفْسِ بليغٍ منهم - ولو حَكَّ بيافوخه السماء - مَوْضِعَ طمع، حتى خَرسَت الألسْنُ عن أنْ تدّعي وتقول، وخَلَدَتِ القُرومُ، فلم تَمْلِك أنْ تَصُولَ. نَعَمْ، فإذا كان هذا هو الذي يُذكَرُ في جواب السائل، فبنا أن نَنْظُر أيٌّ أَشْبَهُ بالفتى في عَقْله ودِينه، وأَزْيَدُ له في عِلْمه ويَقينه: أأنْ يُقَلِّدَ في ذلك، ويَحْفَظَ مَتْنَ الدليلِ وظاهرَ لفظِه، ولا يَبْحثَ عن تفسير المَزايا والخصائصِ، ما هي ومِنْ أيْنَ كَثُرَت الكثرةَ العظيمةَ، واتَّسَعتِ الاتِّساعَ المُجَاوِزَ لِوُسْعِ الخَلْق وطاقة البشر؟ وكيف يكونُ أنْ تَظْهَرَ في ألفاظٍ محصورة، وكَلِمٍ معدودةٍ معلومة، بأنْ يُؤتى ببعضها في إِثْْر بَعْضٍ، لطائفُ لا يَحْصُرها العدَدُ، ولا ينتهي بها الأمَدُ؟ أَمْ أن يَبْحَث عن ذلك كلِّه، ويَسْتقصيَ النظرَ في جَميعِهِ، ويَتَّبعه شيئًا فشيئًا، ويَسْتَقصِيَهُ بابًا فبابًا، حتى يَعْرِف كلاَ منه بشاهِدِهِ ودليله، ويَعْلَمَهُ بتفسيره وتأويله، ويُوثقَ بتصوره وتمثيله، ولا يكونَ كمن قيلَ فيه [من الطويل]:

1 / 87