163

Dalāʾil al-iʿjāz taʿlīf al-Ayyūbī

دلائل الإعجاز ت الأيوبي

Editor

ياسين الأيوبي

Publisher

المكتبة العصرية

Edition Number

الأولى

Publisher Location

الدار النموذجية

Genres

واعلمْ أنَّا لم نُرد بما قلناه. مِن أَنه إنما حسُنَ الابتداءُ بالنكرةِ في قولهم "شرٌّ أهرَّ ذا ناب"، لأنه أُريدَ به الجنسُ أنَّ معنى "شرٌّ" و"الشرُّ" سواءٌ، وإنما أردنا أَنَّ الغرض من الكلام، أن نُبيِّنَ أنَّ الذي أَهرَّ ذا النابِ هو مِن جنسِ الشرِّ لا جنسِ الخير؛ كما أنَّا إذا قلنا في قولهم: (أرجل أتاك أم امرأة)، إنَّ السؤالَ عن الجنس، لم نُرد بذلك أنه بمنزلةِ أنْ يقال: (الرجلُ أم المرأةُ أتاك)، ولكنَّا نعني أنَّ المعنى عَلَى أنك سألْتَ عن الآتي: أهو مِنْ جنس الرجال أم جنس النساء؟ فالنكرةُ إذنْ على أصلها مِنْ كَونها لواحدٍ من الجنسِ، إلاَّ أنَّ القصْدَ منكَ لم يقعْ إلى كونه واحدًا، وإنما وقعَ إلى كونه من جنسِ الرجالِ. وعكْسُ هذا أنك إذا قلتَ: (أرَجلُ أتاك أم رجلان)، كان القصدُ منك إلى كونه واحدًا، دونَ كونه رجلًا؛ فاعرِفْ ذلك أصْلًا: وهو أنه قد يكونُ في اللفظ دليلٌ على أمرين، ثم يَقعُ القصْدُ إلى أَحدِهما دُون الآخرِ، فيصيرُ ذلك الآخَرُ بأنْ لم يَدْخلْ في القصد، كأنه لم يَدْخُل في دلالة اللفظ. وإذا اعتبرتَ ما قدَّمتُهُ من قول صاحب الكتاب: إنَّكَ قلتَ "عبدُ الله" فنبهْتَه له، ثم بَنيْتَ عليه الفعل، وجدْتَه يطابق هذا. وذاكَ أَنَّ التنبيه لا يكون إلاَّ على معلوم، كما أنَّ قَصْرَ الفعل لا يكونُ إلاَّ على معلوم. فإذا بدأتَ بالنكرة فقلتَ: رجلٌ، وأنت لا تقَصدُ بها الجنسَ، وأن تُعْلم السامعَ أنَّ الذي أردتَ بالحديث: رَجلٌ، لا امرأة، كان مُحالًا أن تقول: إني قدَّمتُه لأُنَبِّهَ المخاطَبَ له: لأنه يَخرجُ بك إلى أن تقول: إني أردتُ أن أُنبه السامع لِشيءٍ لا يَعْلمه في جملةٍ ولا تفصيلٍ: وذلك ما لا يُشَكُّ في استحالته، فاعرفْه!

1 / 162