37

Daf’ Ihām al-Idtirāb ‘an Āyāt al-Kitāb

دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب - ط مكتبة ابن تيمية

Publisher

مكتبة ابن تيمية - القاهرة

Edition Number

الأولى

Publication Year

١٤١٧ هـ - ١٩٩٦ م

Publisher Location

توزيع

Genres

هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ تُوهِمُ أَنَّ اتِّخَاذَ الْكُفَّارِ أَوْلِيَاءَ، إِذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ، لَا بَأْسَ بِهِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ. وَقَدْ جَاءَتْ آيَاتٌ أُخَرُ تَدُلُّ عَلَى مَنْعِ اتِّخَاذِهِمْ أَوْلِيَاءَ مُطْلَقًا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا [٤ \ ٨٩]، وَكَقَوْلِهِ: لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ الْآيَةَ [٥ \ ٥٧] . وَالْجَوَابُ عَنْ هَذَا أَنَّ قَوْلَهُ: «مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ» لَا مَفْهُومَ لَهُ. وَقَدْ تَقَرَّرَ فِي عِلْمِ الْأُصُولِ أَنَّ دَلِيلَ الْخِطَابِ الَّذِي هُوَ مَفْهُومُ الْمُخَالَفَةِ لَهُ مَوَانِعُ تَمْنَعُ اعْتِبَارَهُ، مِنْهَا كَوْنُ تَخْصِيصِ الْمَنْطُوقِ بِالذِّكْرِ لِأَجْلِ مُوَافَقَتِهِ لِلْوَاقِعِ، كَمَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ لِأَنَّهَا نَزَلَتْ فِي قَوْمٍ وَالَوُا الْيَهُودَ دُونَ الْمُؤْمِنِينَ، فَنَزَلَتْ نَاهِيَةً عَنِ الصُّورَةِ الْوَاقِعَةِ مِنْ غَيْرِ قَصْدِ التَّخْصِيصِ بِهَا، بَلْ مُوَالَاةُ الْكُفَّارِ حَرَامٌ مُطْلَقًا، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى. قَوْلُهُ تَعَالَى: هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً الْآيَةَ. هَذِهِ الْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ زَكَرِيَّا عَلَيْهِ وَعَلَى نَبِيِّنَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَيْسَ عِنْدَهُ شَكٌّ فِي قُدْرَةِ اللَّهِ عَلَى أَنْ يُرْزُقَهُ الْوَلَدَ عَلَى مَا كَانَ مِنْهُ مِنْ كِبَرِ السِّنِّ، وَقَدْ جَاءَ فِي آيَةٍ أُخْرَى مَا يُوهِمُ خِلَافَ ذَلِكَ وَهِيَ قَوْلُهُ تَعَالَى: قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ الْآيَةَ [٣ \ ٤٠] . وَالْجَوَابُ عَنْ هَذَا بِأُمُورٍ: الْأَوَّلُ: مَا أَخْرَجَهُ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ عِكْرِمَةَ وَالسُّدِّيِّ مِنْ أَنَّ زَكَرِيَّا لَمَّا نَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ: أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى، قَالَ لَهُ الشَّيْطَانُ لَيْسَ هَذَا نِدَاءُ الْمَلَائِكَةِ، وَإِنَّمَا هُوَ نِدَاءُ الشَّيْطَانِ فَدَاخَلَ زَكَرِيَّا الشَّكُّ فِي أَنَّ النِّدَاءَ مِنَ الشَّيْطَانِ، فَقَالَ عِنْدَ ذَلِكَ الشَّكِّ النَّاشِئِ عَنْ وَسْوَسَةِ الشَّيْطَانِ قَبْلَ أَنْ يَتَيَقَّنَ أَنَّهُ مِنَ اللَّهِ: أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلِذَا طَلَبَ الْآيَةَ مِنَ اللَّهِ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً الْآيَةَ [٣ \ ٤١] .

1 / 39