Dadaiyya Wa Siryaliyya Muqaddima Qasira
الدادائية والسريالية: مقدمة قصيرة جدا
Genres
لقد عومل الرسم السريالي بشك إلى حد ما من داخل الحركة السريالية نفسها؛ ففي عام 1925، وصف بريتون الرسم السريالي بأنه «حيلة مؤسفة»، وأنه يناط بالفنانين أنفسهم إقناعه بتطبيقاته. كان الرسم السريالي من بدايته تقريبا مستقطبا. من ناحية، كان هناك نمط واقعي فني من أنماط الرسم تم فيه تصوير الوقائع البديلة اللاعقلانية بدقة شبه أكاديمية. ترسخت هذه النزعة في أعمال جورجيو دي شيريكو، ولكنها تجذرت أيضا لدى الرسامين الرمزيين الفرنسيين في القرن التاسع عشر، أمثال أوديلون ريدون وجوستاف مورو. ولأغراض التيسير، تسمى تلك النزعة «الرسم الحالم»، ولو أن أمثلة تلك النزعة، التي أنتجها إرنست ودالي، كما سيتجلى لنا لاحقا، لم تستغل بضرورة الحال الأحلام الشخصية، بل كثيرا ما قامت على سجلات لحالات فرويدية.
شكل 3-4: هانا هوخ، «عروسان برجوازيان - شجار»، تجميع صوري، 1919.
من ناحية أخرى، كان هناك الرسم «العفوي» الذي اتسم بالإنتاج العفوي للعلامات أو اللطخات التصويرية للإيحاء بأشكال، والذي مارسه فنانون أمثال أندريه ماسون السابقة الإشارة إلى «رسومه العفوية» ذات الصلة. ويمكن الزعم بأن هذا الأسلوب أكثر «سريالية» حقا فيما يختص بتنظير بريتون.
شكل 3-5: خوان ميرو، «الصياد»، زيت على قماش، 1924، متحف الفن الحديث، نيويورك.
إلى جانب ماسون، يعتبر خوان ميرو أحد رموز تلك النزعة «العفوية»؛ فبعد أن رحل عن بلدته الأم كاتالونيا قاصدا باريس خلال عامي 1920 و1921، نمت لديه في بداية الأمر لغة صورية متفردة جدا في أعمال مثل «الصياد» (1923-1924) (شكل
3-5 ). في الجهة اليسرى أعلى هذا العمل، تم تصوير «الصياد» الذي يحمل العمل اسمه كرجل عصا، يتجلى حذره في أذنه المضخمة بشكل مهول، وقلبه الذي نراه «مشتعلا». وفي الجزء السفلي من القماش نرى محجره؛ وهو مزيج عجيب من سمك السردين وأرنب. وصفت الأعمال الكاملة لميرو لاحقا بهذا النوع من التحول الشاعري المتلون؛ حيث تخضع الإشارات البصرية إلى تحول مستمر من لوحة إلى اللوحة التالية لها. لقد واءمت العفوية التي وظفها منذ منتصف العشرينيات - أحيانا في تخطيط أعماله، وأحيانا كجزء من النتيجة النهائية كما في لوحته الشهيرة «ميلاد العالم» (1925) - أساليب عمله الانسيابية.
كما سلف وألمحنا، تعرض الرسم إلى فترة متأججة على أيدي المنظرين السرياليين؛ فبعد البيان الأول مباشرة، وضع الكاتب ماكس موريس مقالة تحت عنوان «الحملقة المسحورة»، عبر فيها عن شكوكه في «رسم الأحلام»؛ فبحسب موريس، لم تكن تلك الأعمال قادرة على التعبير عن الطبيعة المؤقتة أو المتكشفة للأحلام. كان الفيلم، كما سنرى لاحقا، أفضل جاهزية لهذا النوع من التعبير. كذلك كبحت «المراجعة الثانوية»، التي يشتمل عليها إنتاج تلك الأعمال، جماح اللاوعي؛ ففي أبريل عام 1926، أعلن بيير نافيل - وكان آنذاك محررا للدورية السريالية «الثورة السريالية» - بشكل أكثر تأثيرا، أن «كل الناس يعرفون أنه ما من شيء يدعى الرسم السريالي.» وحتى العفوية الصورية شابتها الشكوك، بما أن العادات الجمالية، كحس التوازن التركيبي على سبيل المثال، ربما أعاقت الوصول إلى التلقائية الكاملة.
انتفض بريتون يدافع عن الرسم، وكتب سلسلة من المقالات ومقدمات الأدلة المصورة في سنوات العشرينيات اللاحقة؛ حيث ناصر من الناحية الشعرية فنانين مثل الرسام الفرنسي إيف تانجي، الذي أعجب بلوحاته الطبيعية الحالمة الحافلة بأشكال عجيبة ذات بنية شبيهة بالأحياء. لكن بريتون لم يضع تبريرا نظريا قط للرسم السريالي؛ ولذلك كان الاسم المحدد لتلك الكتابات المجمعة في نهاية المطاف «السريالية والرسم». كان بريتون على اقتناع بأهمية طلائع السريالية أمثال دي شيريكو وبيكاسو، وقد حاول أن يخطب ود الأخير تحديدا لفترة طويلة دون أن ينجح في ذلك، ولا شك أن الرخصة التي منحت للخيالات الجنسية والعنيفة للسريالية ضخت حياة جديدة في إنتاج بيكاسو في العشرينيات والثلاثينيات. لكن بريتون تذبذب في دعمه لأمثال ميرو وماسون، وكان محور النقد عنده، بما يتسق مع الالتزامات الماركسية بشكل متزايد، هو أن الرسامين خضعوا بسهولة لإغراءات «مهنتهم»، وسرعان ما استغلوا المنافع التجارية التي عرضت عليهم؛ ولعل الأسلوب الأكاديمي نسبيا لوافد متأخر على السريالية نوعا ما - وهو الرسام البلجيكي رينيه ماجريت - هو الذي أفضى إلى بعض التنازلات، لكن الحرفية التي تعرض بها أفضل أعمال ماجريت من الظواهر الهذيانية أو المعضلات الفلسفية التي تضفي عليها حدة متعنتة. من ناحية أخرى، تؤكد البراعة الفنية لسلفادور دالي، الذي انضم بشكل درامي لجماعة باريس من موطنه كاتالونيا عام 1929، كافة مخاوف بريتون.
شكل 3-6: سلفادور دالي، «الوجه الارتيابي»، مخطط الصفحة كما ظهر في دورية «السريالية في خدمة الثورة»، العدد الثالث، (ديسمبر، 1931).
لقد كانت الرسوم السريالية الأولى لدالي - مثل «لعبة الحداد» و«المستحلم الأكبر» عام 1929 - إبداعية بشكل أصيل؛ حيث كان أسلوبها «الفائق الرجعية»، بحسب وصف بريتون، مناسبا تماما لتحقيق مجموعة من الخيالات المرضية النفسية - المجموعة عادة من مصادر أدبية مثل فرويد، أو «المتخصص في علم الجنس» في أواخر القرن التاسع عشر ريتشارد فون كرافت-إيبنج - التي حفلت بها تلك الأعمال. في بداية الثلاثينيات، بذل دالي أيضا جهدا عظيما لدعم الموارد النظرية للسريالية البصرية؛ حيث ابتدع «الأسلوب الارتيابي-النقدي»، واستعرض ذلك في مساهمة موجزة له في دورية «السريالية في خدمة الثورة» عام 1931، حيث نسخ بطاقة بريدية لمجموعة من الأفارقة الجالسين قبالة كوخ من القش، وتظهر هذه البطاقة عند قلبها جانبيا على هيئة نموذج لرأس (شكل
Unknown page