Dadaiyya Wa Siryaliyya Muqaddima Qasira
الدادائية والسريالية: مقدمة قصيرة جدا
Genres
لا شك أن دوشامب كان وراء هذه المقالة - لعله أقنع إحدى صديقاته، ربما بياتريس وود، بكتابتها - ما دام أنها تقدم المبرر الفلسفي لأعماله الفنية «الجاهزة» (الأمر الذي سنسهب في مناقشته في الفصل الثالث). لكن السبب الأكثر إلحاحا لهذه المقالة كان يكمن في إثارة الجدل الذي لم يكن ليثار لولاها؛ فالأحداث الفعلية المحيطة بإنكار «النافورة» غير معلومة تقريبا، وحتى الغرض الأصلي يبدو أنه قد اختفى في مرحلة ما أثناء معرض الفنانين المستقلين. وسبب تحوله إلى أيقونة دادائية يرجع إلى الصورة الفوتوغرافية التي ظهرت بدورية «الأعمى» التي التقطها المصور الحداثي ألفريد شتيجليتس (شكل
1-2 )، ولو أن دوشامب - في مرحلة لاحقة من حياته - طلب، بطريقة يشوبها الضيق، إنتاج «نسخ» من تلك الصورة.
كل ذلك يؤكد إلى أي مدى كانت «النافورة» و«الفضيحة» التي ارتبطت بها شأنين مدبرين. وفي الوقت نفسه، تسلط تلك الواقعة الضوء على فكرة تستحق الآن أن تحظى بأهمية محورية؛ ألا وهي الطريقة التي كانت تعمل بها المنشورات الدادائية والسريالية.
كانت دورية «الأعمى» واحدة من أوائل سيل مفاجئ من الدوريات التي نشرها الدادائيون في المواقع المختلفة للحركة، والأرجح أن أكثر تلك الدوريات وأوسعها أثرا، وأطولها عمرا، هي دورية فرانسيس بيكابيا «391»، التي نشرها بشكل متقطع خلال فترة ما بين عامي 1917 و1924، من أي مكان صادف أن كان فيه، سواء أكان برشلونة أم نيويورك أم باريس. أوحى اسم الدورية بنوع من التطور الثوري من مجلة المصور الأمريكي ألفريد شتيجليتس السابقة والمسماة «291»، والتي سميت بهذا الاسم تيمنا بعنوان معرضه بالشارع الخامس في نيويورك.
في عدد صدر عام 1920 من دورية «391»، أسهم بيكابيا بقدر أكبر في نشر أسطورة دوشامب؛ فقد انتقى موناليزا دوشامب المستفزة المناوئة للفن، وهي اللوحة «الجاهزة الصنع» التي استعرضها عام 1919، وهي عبارة عن موناليزا مطبوعة ومضاف إليها شارب ولحية، ونسخها بيكابيا (دون اللحية التي من الواضح أنه غفل عنها ) فأمست قريبة الشبه جدا بنسخة للوحة من لوحاته الخاصة قوامها حبر مرشوش ، وعنوانها «العذراء المقدسة»، وبذلك تأكدت سمعة العملين السيئة. وفي أكتوبر عام 1922، في صفحات مجلة دادائية أخرى تعرف باسم «الأدب»، وهي لسان جماعة باريس، عززت من أسطورة دوشامب مقالة رئيسية أخرى عنه بقلم أندريه بريتون؛ وهنا أعطى بريتون دفعة لمفهوم دوشامب الذهني الأكثر عناية باللفتات والإيحاءات من خلق أعمال فنية، الأمر الذي من شأنه أن يؤمن له سمعته بين أعضاء الجماعة السريالية الوليدة: «هل يحتمل أن مارسيل دوشامب يصل إلى النقطة الحرجة للأفكار أسرع من غيره؟»
من الواضح أن أسطورة دوشامب بنيت من خلال المجلات والصور الغامضة بقدر ما استندت إلى عرض إنتاجه الشحيح نسبيا؛ فهو لم يقم معرضا مناسبا لأعماله وحدها سوى معرضه الاستعادي عام 1963. وحتى سمعة أعظم أعماله «عروس جردها عزابها من ثيابها» اعتمدت في تشكلها على توصيفات تقديرية وتعليقات عارضة في الدوريات السريالية، وأبرزها مقالة بريتون «منارة العروس» المنشورة بالدورية السريالية «المينوتور» عام 1934-1935، بدلا من أن تعول على مشاهدة الجمهور للعمل الفني فعلا. إن مسألة كيفية تخطيط دوشامب نفسه لبناء سمعته مدهشة، ولكن لا يسعنا مناقشتها هنا، ومن الواضح أن بنية النشر التحتية للدادائية بذلت أغلب الجهود نيابة عنه. ولكن، من الضروري الآن أن نتعقب طريقة عمل الدوريات من السياق الدادائي وصولا للسياق السريالي لاستكشاف نقاط الاتصال وأوجه الاختلاف بقدر أكبر بين الحركتين. لقد كانت للدوريات أهمية أكبر للسريالية من الدادائية؛ وبالمثل، إذا كان التصوير الفوتوغرافي قد لعب دورا مهما في الترويج لدوشامب، كما رأينا في حالة «النافورة»، فقد أمسى أداة محورية مطلقا في المنشورات السريالية.
إهانة رجال الدين في الشارع وفرص التصوير الفوتوغرافي الأخرى: المراجعات السريالية
تحوي نسخة من الدورية السريالية «الثورة السريالية» الصادرة في ديسمبر 1926 صورة فوتوغرافية حميدة في ظاهرها لحوار بين شخصين، وثمة تعليق جذاب مطبوع تحتها «زميلنا بنجامين بيريه وهو بصدد إهانة رجل دين» (شكل
2-4 ).
شكل 2-4: «زميلنا بنجامين بيريه وهو بصدد إهانة رجل دين.» نسخت الصورة في دورية «الثورة السريالية»، العدد الثامن (ديسمبر، 1926).
Unknown page