Daci Sama
داعي السماء: بلال بن رباح «مؤذن الرسول»
Genres
وبقيت هذه الشنشنة بين أمم الحضارة في العصر الحديث فاعتز بها الأوروبيون على أبناء القارات الأخرى، ولكنهم لبثوا فيما بينهم يفاخر كل شعب منهم جاره بالعادات والأخلاق والمآثر وإن تقاربوا في السلالة واللغة والعقيدة، فليس أشد تفاخرا بين الأوروبيين من الطليان والإسبان والفرنسيين، وهم يرجعون بلغتهم إلى اللاتينية، وبعقيدتهم إلى المسيحية الرومانية، وبعناصرهم إلى مزيج متقارب من السلالات، ولكنهم تعلموا - بوحي المصلحة المتفقة - أن يجمعوا فخرهم كله إلى فخر واحد يتقارب فيه الأوروبيون كافة، وهو «اللون الأبيض» أو الانتماء إلى القارة المجتباة بين القارات. وجعلوا هذا اللون الأبيض رسالة يبشر بها الأوروبيون من عداهم من الشعوب الإنسانية، وسموا تلك الرسالة «عبء الرجل الأبيض» أو أمانة الرجل الأبيض، أو تبعته أمام الله لهداية خلقه الذين لم يبلغوا مبلغهم من العلم والارتقاء.
وصدق العالم الإنجليزي الحديث جوليان هكسلي حين قال: إن هؤلاء الدعاة مسبوقون إلى دعواهم قبل ميلاد السيد المسيح؛ فقد سبقهم «أشعياء» من أنبياء إسرائيل فقال في إصحاحه التاسع والأربعين:
اسمعي لي أيتها الجزائر، واصغوا أيها الأمم من بعيد. الرب من البطن دعاني، من أحشاء أمي ذكر اسمي. وجعل فمي كسيف حاد. في ظل يده خبأني وجعلني سهما مبريا. في كنانته أخفاني. وقال لي: أنت عبدي إسرائيل الذي به أتمجد. أما أنا فقلت عبثا: تعبت، باطلا وفارغا أفنيت قدرتي. لكن حقي عند الرب وعملي عند إلهي.
والآن قال الرب جابلي من البطن عبدا له لإرجاع يعقوب إليه فينضم إليه إسرائيل. فأتمجد في عيني الرب وإلهي يصير قوتي. فقال: قليل أن تكون لي عبدا لإقامة أسباط يعقوب ورد محفوظي إسرائيل، فقد جعلتك نورا للأمم لتكون خلاصي إلى أقصى الأرض. هكذا قال الرب فادي إسرائيل ...
فرسالة الرجل الأبيض التي تمخض عنها القرن التاسع عشر كله لم يذهب أصحابها إلى أبعد من هذا المدى الذي سبقهم إليه بنو إسرائيل قبل ميلاد السيد المسيح بسبعة قرون. •••
وظلت المفاخر العنصرية كلها من قبيل هذه العادات الاجتماعية التي لا يرجع فيها إلى قياس منطقي ولا موازنة علمية، فكانت أشبه شيء بمفاخرات الصبيان بعضهم لبعض بآبائهم وأمهاتهم وإخوانهم وجيرانهم وبيوتهم التي يسكنونها ومدنهم التي ينشئون فيها، وكل شيء يتصل بهم وتنعقد فيه المقابلة بينهم وبين غيرهم. وفحوى مفاخر الأجناس من هذا القبيل أن كل جنس هو أفضل الأجناس لغير سبب. وليس هذا من القياس المنطقي ولا الموازنة العلمية في شيء.
ثم اتسع نطاق البحث العلمي في القرن التاسع عشر فأدخل الفوارق بين الشعوب في موضوعاته الكثيرة، وجعل لها علما خاصا أو بابا خاصا من أبواب المعرفة يسمى معرفة الأجناس البشرية.
وانتهى به البحث إلى وجود الفوارق الصحيحة بين خمسة من الأجناس التي ينتمي إليها شعوب البشر كافة، وهي الجنس القفقاسي أو الأبيض، والجنس الزنجي أو الأسود، والجنس المغولي أو الأصفر، والجنس الأسمر أو أهل الملايا، والجنس الأحمر أو سكان القارة الأمريكية الأصلاء.
واختصر بعضهم هذا التقسيم إلى ثلاثة أقسام فجعل الأجناس الصفراء والسمراء والحمراء فروعا من أصل واحد. وهو اختصار له سند معقول.
وقد عني أصحاب هذه التقاسيم بالفروق التي تورث وتنتقل مع الأجيال؛ أي بالفروق التي يسمونها فروقا بيولوجية دون غيرها من الفروق الاجتماعية التي تكسب بالقدوة والمحاكاة.
Unknown page