حين عادت آمال إلى البيت وجدت في ابنتها بعض العزاء عن الوحدة، ولكن ما زال الليل يفترسها منتهزا فرصة وحدتها. وتجلس إلى جوار ابنتها سوسن، ولكن الوحدة لا تزول مع سوسن.
وفي يوم كانت جالسة في الشرفة، ورأت عزت زكي قادما. ولم تدر لماذا سارعت إلى باب بيتها ففتحته، وانتظرت حتى صعد عزت فوجدها واقفة بالباب، وفكر أن يحييها ويأخذ طريقه إلى بيته، ولكنها سارعت تقول: لم أشكرك يا عزت بك على اهتمامك بي. - يا ستي العفو. أنا لم أفعل إلا الواجب. - لا أنت فعلت أكثر من الواجب. كثر خيرك. تفضل. - شكرا. - تفضل اشرب شيئا. - شكرا. ولكني لمحت عدلية في الشرفة، ولعلها تنتظرني. - أهكذا؟ - مرة أخرى إن شاء الله. - أهلا وسهلا. - عن إذنك. - تفضل.
الفصل الثاني والثلاثون
صلى الحاج والي الفجر حاضرا وقصد إلى الأريكة في بهو بيته، وجلس إلى جانب الحاجة بمبة التي كانت تعد له القهوة، وصمت قليلا ثم قال: ما رأيك يا حاجة بمبة؟
وصمتت الحاجة بمبة وراحت تحرك القهوة على النار، ثم سكبت بعضا منها في فنجان وأعادتها إلى النار مرة أخرى، ولم تقل شيئا، وأدرك الحاج والي أنها لا تريد أن تجيب فقال لها: أليس أبو الولد أولى به؟
وسكتت الحاجة بمبة مرة أخرى، واستطرد الحاج والي: وهو أيضا صغير لا يتحمل الذهاب إلى البندر كل يوم في البرد الشديد، وأنت عارفة برد الصباح المبكر.
وقالت الحاجة بمبة: ألم يكن أبوه يذهب في البرد؟! ماذا جرى له؟!
وأطرق الحاج والي قليلا ثم قال: لم يكن لمحمد أحد في البندر، أستطيع أن أتركه عنده. - وهل تعتقد أن أحمد له أحد الآن؟ - لا حول ولا قوة إلا بالله! أليس أبوه هذا؟
وقالت الحاجة في صوت غاضب: لا ... لا يا حاج ليس أباه. أنت أبوه وأنا أمه. هل رأيته يسأل عنه؟ إنه حتى الآن لا يعلم إن كان الموعد قد جاء ليذهب إلى مدرسة البندر أم لا. لا ... إنه ليس أباه؟ - على مهلك يا حاجة، إنه يعتمد علي وعليك. - أنا لا أقول يشتري له شيئا، أنا أقول يسأل. اسمع يا حاج، أنا لا أطمئن أن يذهب أحمد ليسكن مع محمد. - إنه أبوه. - أعلم ولكن محمدا ليس عطوفا، وأخشى أيضا على الولد من امرأة أبيه. - وأنت حين ربيت محمدا ألم تكوني امرأة أبيه؟! - أنا يا حاج والي أحببت ابنك بل وأحببت ابن ضرتي، أنا ... - نعم أنت خطأ في الطبيعة، أنت استثناء، أنت لا مثيل لك يا حاجة. - أخشى على أحمد من امرأة أبيه. - اسمعي يا حاجة، سأوفق بين رأيك ورأيي؛ أنا سأذهب الآن إلى بيت محمد، وأكلم آمال دون علم زوجها، وأرى إن كانت ترحب بأحمد أم لا؟ وسأفهم من طريقة إجابتها حقيقة شعورها، ونتصرف بناء على هذا. - قد ترحب ثم تسيء إلى الولد حين يقيم عندها. - يا ستي لماذا نقدر البلاء قبل وقوعه؟ وعلى كل حال إننا نستطيع دائما أن نسترد أحمد، أليس كذلك؟
وسكتت الحاجة، وسكت الحاج، وأخذ يشرب قهوته في هدوء وقالت: هل ستأخذ أحمد معك؟ - لماذا؟ - لا لزوم. - أبدا. إنني سأسألها فقط.
Unknown page