Cuyun Tafasir
عيون التفاسير للفضلاء السماسير للسيواسي
Genres
إخفائكم إياه، قيل: جاء رجل من أحبار اليهود فقال: يا محمد! ما الذي عفوت عنا؟ فأعرض عنه رسول الله ولم يبين له وغرضه أن يناقض كلامه بسؤاله، فلما لم يبين ما سأله قام من عنده وذهب، وقال لأهله من اليهود:
أرى أن محمدا صادق فيما يقول، لأنه قد كان وجد في كتابه أنه لا يبين له ما سأله «1»، ثم قال تعالى (قد جاءكم من الله نور) أي الإسلام أو محمد عليه السلام (وكتاب مبين) [15] أي القرآن الذي يظهر ما كان خافيا أو أنه ظاهر في الإعجاز.
[سورة المائدة (5): آية 16]
يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم (16)
(يهدي به الله) أي يرشد بالقرآن أو بمحمد على السلام (من اتبع رضوانه) أي طلب الحق الذي فيه رضاه بالإخلاص، ف «من» مفعول أول لقوله «يهدي»، وقوله (سبل السلام) مفعوله الثاني، أي طريق السلامة والخير وهو التوحيد (ويخرجهم من الظلمات إلى النور) أي من ظلمات الكفر التي في قلوبهم من الشرك والشك والجهل إلى نور الإيمان الذي هو قسط من نور الله الذي هو حق اليقين، فيصير المؤمن به قائما بالحق مع الحق للحق (بإذنه) أي بارادته تعالى ومشيته (ويهديهم إلى صراط مستقيم) [16] أي يوفقهم إلى دين الإسلام الذي هو طريق الجنة.
[سورة المائدة (5): آية 17]
لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم قل فمن يملك من الله شيئا إن أراد أن يهلك المسيح ابن مريم وأمه ومن في الأرض جميعا ولله ملك السماوات والأرض وما بينهما يخلق ما يشاء والله على كل شيء قدير (17)
ثم قال (لقد كفر الذين قالوا) وهم اليعقوبية من النصارى (إن الله هو المسيح ابن مريم) يعني عيسى، فقال تعالى لمحمد عليه السلام (قل فمن يملك من الله شيئا) أي من يقدر أن يمنع شيئا من عذاب الله (إن أراد) الله (أن يهلك المسيح ابن مريم وأمه ومن في الأرض جميعا) أي لا يقدر عيسى على دفع الهلاك عن نفسه ولا على رد الهلاك عن غيره، فكيف يكون إلها؟ فيكون عبدا مخلوقا كسائر عباده، ثم قال (ولله ملك السماوات والأرض وما بينهما) من الملائكة والجن والإنس من الذكور والإناث، أي جميع الخلق عبيده وإماؤه ، وحكمه نافذ فيهم، وعيسى منهم بشر من جنس آدم، فقال نصارى أهل نجران: لو كان عيسى بشرا من جنس آدم لكان له أب، فأخبر تعالى أنه (يخلق ما يشاء) من ذكر وأنثى من غير أب وأم كآدم وحواء ومن أم بلا أب كعيسي ومن أب وأم كسائر الخلق، لا اعتراض عليه (والله على كل شيء قدير) [17] يقدر على ما يشاء كما يشاء ويختار، لأنه القادر الفاعل المختار.
[سورة المائدة (5): آية 18]
وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه قل فلم يعذبكم بذنوبكم بل أنتم بشر ممن خلق يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء ولله ملك السماوات والأرض وما بينهما وإليه المصير (18)
ثم قال تعالى (وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله) أي أبناء رسله (وأحباؤه) أي محبوبوه، فأمر الله نبيه بقوله (قل) منكرا عليهم (فلم يعذبكم بذنوبكم) أي بسببها وأنتم مقرون بذلك لقولكم إلا أياما معدودات وهي أربعون يوما، فان الحبيب لا يعذب حبيبه، والوالد لا يعذب ولده، فكيف تكونون أبناءه وأحباءه، فلما عجزوا عن الجواب «2» قال إضرابا عن مجادلتهم وردا عليهم (بل أنتم بشر ممن خلق) أي أنتم كسائر الخلق لستم بأبناء الله ولا بأحبائه «3» (يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء) أي يعفو عن البعض فيرشده إلى دينه ويعاقب البعض بذنبه فيخذله ويدخله النار (ولله ملك السماوات والأرض وما بينهما) من الخلق كلهم في حكمه وتصرفه في
Page 267