Cuyun Athar
عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسير
Publisher
دار القلم
Edition Number
الأولى
Publication Year
١٤١٤/١٩٩٣.
Publisher Location
بيروت
ذكر بنيان قريش الكعبة شرفها الله تعالى
وَلَمَّا بَلَغَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ خَمْسًا وَثَلاثِينَ سَنَةً اجْتَمَعَتْ قُرَيْشٌ لِبُنْيَانِ الْكَعْبَةِ، قَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، وَإِنَّمَا حَمَلَ قُرَيْشًا عَلَى بِنَائِهَا أَنَّ السَّيْلَ كَانَ أَتَى من فوق الردم الذي صنعوا فأخرجه، فَخَافُوا أَنْ يَدْخَلُهَا الْمَاءُ، وَكَانَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ مُلَيْحٌ سَرَقَ طِيبَ الْكَعْبَةِ، فَأَرَادُوا أَنْ يُشَيِّدُوا بُنْيَانَهَا، وَأَنْ يَرْفَعُوا بَابَهَا حَتَّى لا يَدْخُلَ إِلَّا مَنْ شَاءُوا، وَأَعَدُّوا لِذَلِكَ نَفَقَةً وَعُمَّالا، ثُمَّ عَمَدُوا إِلَيْهَا لِيَهْدِمُوهَا عَلَى شَفَقٍ وَحَذَرٍ مِنْ أَنْ يَمْنَعَهُمُ اللَّهُ الَّذِي أَرَادُوا.
قال ابن إسحق: ثُمَّ إِنَّ الْقَبَائِلَ مِنْ قُرَيْشٍ جَمَعَتِ الْحِجَارَةَ لِبُنْيَانِهَا كُلُّ قَبِيلَةٍ تَجْمَعُ عَلَى حِدَةٍ، ثُمَّ بَنَوْهَا حَتَّى بَلَغَ الْبُنْيَانُ مَوْضِعَ الرُّكْنِ، فَاخْتَصَمُوا فِيهِ، كُلُّ قَبِيلَةٍ تُرِيدُ أَنْ تَرْفَعَهُ إِلَى مَوْضِعِهِ دُونَ الأُخْرَى، حَتَّى تَحَاوَرُوا وَتَخَالَفُوا وَأَعَدُّوا لِلْقِتَالِ، فَقَرَّبَتْ بَنُو عَبْدِ الدَّارِ جَفْنَةً مَمْلُوءَةً دَمًا، ثُمَّ تَعَاقَدُوا هُمْ وَبَنُو عَدِيٍّ عَلَى الْمَوْتِ، وَأَدْخَلُوا أَيْدِيَهُمْ فِي ذَلِكَ الدَّمِ فِي تِلْكَ الْجَفْنَةِ، فَسُمُّوا: لَعَقَةَ الدَّمِ، فَمَكَثَتْ قُرَيْشٌ عَلَى ذَلِكَ أَرْبَعَ لَيَالٍ أَوْ خَمْسًا، ثُمَّ إِنَّهُمُ اجْتَمَعُوا فِي الْمَسْجِدِ، فَتَشَاوَرُوا وَتَنَاصَفُوا، فَزَعَمَ بَعْضُ أَهْلِ الرِّوَايَةِ أَنَّ أَبَا أُمَيَّةَ بْنَ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ وَكَانَ يَوْمَئِذٍ أَسَنَّ قُرَيْشٍ كُلِّهَا قَالَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ: اجْعَلُوا بَيْنَكُمْ فِيمَا تَخْتَلِفُونَ فِيهِ أَوَّلَ مَنْ يَدْخُلُ مِنْ بَابِ هَذَا الْمَسْجِدِ يَقْضِي بَيْنَكُمْ، فَفَعَلُوا، فَكَانَ أَوَّلُ دَاخِلٍ رسول الله ﷺ، فلما رَأَوْهُ قَالُوا: هَذَا الأَمِينُ رَضِينَا، هَذَا مُحَمَّدٌ،
فَلَمَّا انْتَهَى إِلَيْهِمْ وَأَخْبَرُوهُ الْخَبَرَ قَالَ ﷺ:
هَلُمَّ إِلَيَّ ثَوْبًا، فَأُتِيَ بِهِ فَأَخَذَ الرُّكْنَ فَوَضَعَهُ فِيهِ بِيَدِهِ ثُمَّ قَالَ: لِتَأْخُذْ كُلُّ قَبِيلَةٍ بِنَاحِيَةٍ مِنَ الثَّوْبِ ثُمَّ ارْفَعُوهُ جَمِيعًا، فَفَعَلُوا، حَتَّى إِذَا بَلَغُوا بِهِ مَوْضِعَهُ وَضَعَهُ هُوَ بِيَدِهِ ﷺ ثم بنى عليه.
1 / 66