ʿUyūn al-Athar fī Funūn al-Maghāzī waʾl-Shamāʾil waʾl-Siyar
عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسير
Publisher
دار القلم
Edition Number
الأولى
Publication Year
١٤١٤/١٩٩٣.
Publisher Location
بيروت
فعل ظَهْرَهُ وَعَسْكَرَهُ إِلَى أُحُدٍ، وَقَالَ: «لا يُقَاتِلَنَّ أَحَدٌ [١] حَتَّى آمُرَهُ بِالْقِتَالِ» وَقَدْ سرحَتْ قُرَيْشٌ الظَّهْرَ وَالْكراعَ [٢] فِي زُرُوعٍ كَانَتْ بِالصمغَةِ [٣] مِنْ قَنَاةٍ لِلْمُسْلِمِينَ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ حِينَ نهي رسول الله ﷺ عَنِ الْقِتَالِ: أَترْعَى زُرُوعَ بَنِي قَيْلَةَ وَلَمَّا تَضَارَبَ؟ وَتَعَبَّأَ رَسُول اللَّهِ ﷺ للقتال، وهو في سبعمائة رَجُلٍ، وَأَمَّرَ عَلَى الرُّمَاةِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جُبَيْرٍ أَخَا بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، وَهُوَ مُعَلَّمٌ يَوْمَئِذٍ بِثِيَابٍ بِيضٍ، وَالرُّمَاةُ خَمْسُونَ رَجُلا، فَقَالَ: «انْضَحِ الْخَيْلَ عَنَّا بِالنَّبْلِ لا يَأْتُونَا مِنْ خَلْفِنَا، إِنْ كَانَتْ لَنَا أَوْ عَلَيْنَا فَاثْبُتْ مَكَانَكَ، لا نُؤْتَيَنَّ مِنْ قِبَلِكَ»، وَظَاهَرَ رسول الله ﷺ بين دِرْعَيْنِ [٤]، وَدَفَعَ اللِّوَاءَ إِلَى مُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ أَخِي بَنِي عَبْدِ الدَّارِ.
وَقَالَ ابْنُ عُقْبَةَ: وَكَانَ حَامِلَ لُوَاءِ الْمُهَاجِرِينَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ ﷺ، فَقَالَ: أَنَا عَاصِمٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ لِمَا مَعِي، فَقَالَ لَهُ طَلْحَةُ: هَلْ لَكَ يَا عَاصِمُ فِي الْمُبَارَزَةِ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَبَدَرَهُ ذَلِكَ الرَّجُلُ فَضَرَبَهُ بِالسَّيْفِ عَلَى رَأْسِ طَلْحَةَ حَتَّى وَقَعَ السَّيْفُ فِي لِحْيَتِهِ فَقَتَلَهُ،
فَكَانَ قَتْلُ صَاحِبِ لِوَاءِ الْمُشْرِكِينَ تَصْدِيقًا لِرُؤْيَا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ «أبي مُرْدِفٌ كَبْشًا»
فَلَمَّا صُرِعَ صَاحِبُ اللِّوَاءِ انْتَشَرَ النَّبِيُّ ﷺ وَأَصْحَابُهُ وَصَارُوا كَتَائِبَ مُتَفَرِّقَةً، فَجَاسُوا الْعَدُوّ ضَرْبًا حَتَّى أَجْهَضُوهُمْ [٥] عَنْ أَثْقَالِهِمْ، وَحَمَلَتْ خَيْلُ الْمُشْرِكِينَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ ثَلاثَ مَرَّاتٍ، كُلّ ذَلِكَ تُنْضَحُ بِالنَّبْلِ فَتَرْجِعُ مغلولة، وَحَمَلَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ فَنَهَكُوهُمْ قَتْلا.
وَذَكَرَ ابْنُ عَائِذٍ أَنَّ طَلْحَةَ الْمَذْكُورَ فِي هَذَا الْخَبَرِ هُوَ ابْنُ عُثْمَانَ أَخُو شَيْبَةَ مِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ، وَكَانَ بِيَدِهِ لِوَاءُ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَئِذٍ، وَأَنَّ الرَّجُلَ الَّذِي كَانَ بِيَدِهِ لِوَاءُ الْمُسْلِمِينَ الْمُهَاجِرِينَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَالَّذِي قَالَهُ ابْنُ هِشَامٍ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ: قَالَ: وَيُقَالُ:
أَنَّ أَبَا سَعِيد بْنَ أَبِي طَلْحَةَ خَرَجَ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ، فَنَادَى: أَنَا قَاصِمٌ مَنْ يُبَارِزُنِي، مِرَارًا، فَلَمْ يَخْرُجْ إِلَيْهِ أَحَدٌ، فَقَالَ: يَا أَصْحَابَ مُحَمَّد: زَعَمْتُمْ أَنَّ قَتْلاكُمْ إِلَى الْجَنَّةِ وَأَنَّ قَتْلانَا فِي النَّارِ، كَذَبْتُمْ وَاللاتِ، لَوْ تَعْلَمُونَ ذَلِكَ حَقًّا لَخَرَجَ إِلَيَّ بَعْضُكُمْ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، فَاخْتَلَفَا ضَرْبَتَيْنِ فَقَتَلَهُ عَلِيٌّ ﵁.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَأَجَازَ رَسُول اللَّهِ ﷺ يَوْمَئِذٍ سَمُرَةَ بْنَ جُنْدُبٍ الْفَزَارِيَّ، ورافع بن
[(١)] وعند ابن هشام: «لا يقاتلن أحد منكم» .
[(٢)] الظهر: الإبل، والكراع: الخيل.
[(٣)] وهو موضع قرب أحد.
[(٤)] أي لبس درعا فوق درع.
[(٥)] أي أبعدوهم وأزالوهم.
2 / 11