244

Cuyun Athar

عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسير

Publisher

دار القلم

Edition Number

الأولى

Publication Year

١٤١٤/١٩٩٣.

Publisher Location

بيروت

وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ [١] إلى آخر القصة. وَمَرَّ شَاسُ بْنُ قَيْسٍ وَكَانَ شَيْخًا قَدْ عسا [٢]، عظم الْكُفْرِ شَدِيدَ الطَّعْنِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، شَدِيدَ الْحَسَدِ لَهُمْ، عَلَى نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مِنَ الأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ يَتَحَدَّثُونَ، فَغَاظَهُ مَا رَأَى مِنْ أُلْفَتِهِمْ وَجَمَاعَتِهِمْ بَعْدَ مَا كَانَ بَيْنَهُمْ مِنَ الْعَدَاوَةِ، فَقَالَ: قَدِ اجْتَمَعَ مَلَأُ بَنِي قَيْلَةَ بِهَذِهِ الْبِلادِ، لا والله ما لنا مَعَهُمْ إِذَا اجْتَمَعُوا مِنْ قَرَارٍ، فَأَمَرَ فَتًى شَابًّا مِنْ يَهُودَ كَانَ مَعَهُمْ فَقَالَ: اعْمِدْ إليهم فاجلس معهم، ثم اذكر يوم بعاث وَمَا كَانَ فِيهِ، وَأَنْشَدَهُمْ بَعْضَ مَا كَانُوا يَتَقَاوَلُونَ فِيهِ مِنَ الأَشْعَارِ، فَفَعَلَ، فَتَكَلَّمَ الْقَوْمُ عِنْدَ ذَلِكَ وَتَنَازَعُوا، حَتَّى تَوَاثَبَ رَجُلانِ عَلَى الرَّكْبِ: أَوْسُ بْنُ قَيْظِيٍّ مِنَ الأَوْسِ، وَجُبَارُ بْنُ صَخْرٍ مِنَ الْخَزْرَجِ فَتَقَاوَلا، ثُمَّ قَالَ أَحَدُهُمَا: لِصَاحِبِهِ إِنْ شِئْتُمْ رَدَدْتُهَا الآنَ جَذَعَةً، وغضب الفريقان جميعا وقالوا: قد فعلنا، مودعكم الظَّاهِرَةُ- وَالظَّاهِرَةُ الْحَرَّةُ- السِّلاحَ، السِّلاحَ، فَخَرَجُوا، وَبَلَغَ ذلك رسول الله ﷺ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ فِيمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ مِنْ أَصْحَابِهِ حَتَّى جَاءَهُمْ فَقَالَ: «يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ: اللَّهَ اللَّهَ، أَبِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ وَأَنَا بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ، بَعْدَ أَنْ هَدَاكُمُ اللَّهُ إِلَى الإِسْلامِ، وَأَكْرَمَكُمْ بِهِ وَقَطَعَ بِهِ عَنْكُمْ أَمْرَ الْجَاهِلِيَّةِ، وَاسْتَنْقَذَكُمْ مِنَ الْكُفْرِ، وَأَلَّفَ بِهِ بَيْنَكُمْ»؟ فَعَرَفَ الْقَوْمُ أَنَّهَا نَزْغَةٌ مِنَ الشَّيْطَانِ وَكَيْدٌ مِنْ عَدُوِّهِمْ، فَبَكَوْا، وَعَانَقَ الرِّجَالُ مِنَ الأَوْسِ الرَّجَالَ مِنَ الْخَزْرَجِ، ثُمَّ انْصَرَفُوا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِي شَاسِ بن قيس: قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَها عِوَجًا [٣] الآية. وفي أوس وجبار: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ كافِرِينَ إلى قوله: أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ [٤] وَكَانَ رِجَالٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يُوَاصِلُونَ رِجَالا مِنْ يَهُودَ لِمَا كَانَ بَيْنَهُمْ مِنَ الْجِوَارِ، فَأَنْزَلَ الله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبالًا إلى عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ [٥] وَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ بَيْتَ الْمِدْرَاسِ، فَقَالَ لِفنحاصَ: اتَّقِ اللَّهَ وَأَسْلِمْ، وَاللَّهِ إِنَّكَ لَتَعْلَمُ أَنَّ

[(١)] سورة آل عمران: الآية ٨١. [(٢)] أي كبر وتقدم في العمر. [(٣)] سورة آل عمران: الآية ٩٩. [(٤)] سورة آل عمران: الآيات ١٠٠- ١٠٥. [(٥)] سورة آل عمران: الآيات ١١٨- ١١٩.

1 / 247