Cuyun Athar
عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسير
Publisher
دار القلم
Edition Number
الأولى
Publication Year
١٤١٤/١٩٩٣.
Publisher Location
بيروت
وَذَكَرَ أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ جَابِرٍ الْبَلاذُرِيُّ قَالَ: فَنَزَلَ رَسُول اللَّهِ ﷺ عِنْدَ أَبِي أَيُّوبَ، وَأَرَادَهُ قَوْمٌ مِنَ الْخَزْرَجِ عَلَى النُّزُولِ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ: «الْمَرْءُ مَعَ رَحْلِهِ»
فَكَانَ مُقَامُهُ فِي مَنْزِلِ أَبِي أَيُّوبَ سَبْعَةَ أَشْهُرٍ، وَنَزَلَ عَلَيْهِ تَمَامُ الصَّلاةِ بَعْدَ مَقْدَمَهِ بِشَهْرٍ، وَوَهَبَتِ الأَنْصَارُ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ كُلَّ فَضْلٍ كَانَ فِي خِطَطِهَا [١] وَقَالُوا: يَا نَبِيَّ اللَّهِ إِنْ شِئْتَ فَخُذْ مَنَازِلَنَا، فَقَالَ لَهُمْ خَيْرًا، قَالُوا: وَكَانَ أَبُو أُمَامَةَ أَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ يَجْمَعُ بِمَنْ يَلِيهِ فِي مَسْجِدٍ لَهُ، فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُصَلِّي فِيهِ، ثُمَّ أنه سأل أَسْعَدُ أَنْ يَبِيعَهُ أَرْضًا مُتَّصِلَةً بِذَلِكَ الْمَسْجِدِ كَانَتْ فِي يَدِهِ لِيَتِيمَيْنِ فِي حِجْرِهِ يُقَالُ لَهُمَا: سَهْلٌ وَسُهَيْلٌ ابْنَا رَافِعِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَائِذِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ غَنْمٍ، كَذَا نَسَبَهُمَا الْبَلاذُرِيُّ وَهُوَ يُخَالِفُ مَا سَبَقَ عَنِ ابن إسحق وَغَيْرِهِ، وَالأَوَّلُ أَشْهَرُ، قَالَ: فَعَرَضَ عَلَيْهِ أَنْ يَأْخُذَهَا وَيَغْرَمُ عَنْهُ لِلْيَتِيمَيْنِ ثَمَنَهَا، فَأَبَى رَسُول اللَّهِ ﷺ ذَلِكَ، وَابْتَاعَهَا مِنْهُمَا بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ أَدَّاهَا مِنْ مَالِ أَبِي بَكْرٍ، ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ أَمَرَ بِاتِّخَاذِ اللَّبِنِ فَاتُّخِذَ، وَبَنَى بِهِ الْمَسْجِدَ، وَرَفَعَ أَسَاسَهُ بِالْحِجَارَةِ، وَسُقِفَ بِالْجَرِيدِ، وَجُعِلَتْ عُمُدُهُ جُذُوعًا، فَلَمَّا اسْتُخْلِفَ أَبُو بَكْرٍ لَمْ يُحْدِثْ فِيهِ شَيْئًا، وَاسْتُخْلِفَ عُمَرُ فَوَسَّعَهُ، فَكَلَّمَ الْعَبَّاسَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فِي بَيْعِ داره ليزيدها فيه، فوهبها العباس لله وللمسلمين، فَزَادَهَا عُمَرُ فِي الْمَسْجِدِ، ثُمَّ إِنَّ عُثْمَانَ بَنَاهُ فِي خِلافَتِهِ بِالْحِجَارَةِ وَالْغُصَّةِ، وَجَعَلَ عُمُدَهُ حِجَارَةً وَسَقْفَهُ بِالسلاج [٢]، وَزَادَ فِيهِ، وَنَقَلَ إِلَيْهِ الْحَصْبَاءَ مِنَ الْعَقِيقِ. وَكَانَ أَوَّلَ مَنِ اتَّخَذَ فِيهِ الْمَقْصُورَةَ مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ، بَنَاهَا بِحِجَارَةٍ مَنْقُوشَةٍ، ثُمَّ لَمْ يَحْدُثْ فِيهِ شَيْءٌ إِلَى أَنْ وَلِيَ الْوَلِيدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ بَعْدَ أَبِيهِ، فَكتب إِلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَهُوَ عَامِلُهُ عَلَى الْمَدِينَةِ يَأْمُرُهُ بِهَدْمِ الْمَسْجِدِ وَبِنَائِهِ، وَبَعَثَ إِلَيْهِ بِمَالٍ وَفُسَيْفِسَاءَ وَرُخَامٍ، وَبِثَمَانِينَ صَانِعًا مِنَ الرُّوم وَالْقِبْطِ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ وَمِصْرَ، فَبَنَاهُ وَزَادَ فِيهِ، وَوُلِّيَ الْقِيَامَ بِأَمْرِهِ وَالنَّفَقَةِ عَلَيْهِ صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ، وَذَلِكَ فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَثَمَانِينَ، وَيُقَالُ: فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَثَمَانِينَ، ثُمَّ لَمْ يُحْدِثْ فِيهِ أَحَدٌ مِنَ الْخُلَفَاءِ شَيْئًا حَتَّى اسْتُخْلِفَ الْمَهْدِيُّ. قَالَ الْوَاقِدِيُّ: بَعَثَ الْمَهْدِيُّ عَبْدَ الْمَلَكِ بْنَ شَبِيبٍ الْغَسَّانِيَّ وَرَجُلا مِنْ وَلَدِ عُمَرَ بْنِ عبد العزيز إلى المدينة لبناء
[(١)] أي في أراضيها. [(٢)] السلاج: نبت رخو من دق الشجر، وهو شجر ترعاه الإبل.
1 / 225