عرض لذلك في الشرق موطن العواطف الدينية، وبين المسلمين أشد المتدينين بدينهم كبرا وأكثرهم غيرة وحفاظا على ما له صورة دين.
أرسل صيحته في الأزهر تدوي بين شيوخ إن لم يكونوا يومئذ هيئة كبار العلماء، فلعلهم لم يكونوا دون هؤلاء جمودا.
ولم يبال الأستاذ بما لقي من الأذى، وقد لقي من الأذى كثيرا. •••
كان الشيخ محمد عبده رجلا مربوع القامة أو فوق ذلك قليلا، ممتلئ الجسم متين البنية شديد العضل رشيق الحركة نشيطها.
ملامح وجهه جميلة في جملتها وتفصيلها، تزيدها جمالا ومهابة تلك اللحية البيضاء النضيرة المطيفة بمحيا مشرق، ذي جبهة غراء انحسر الشعر عنها رويدا وارتفعت فسحة ناطقة بالعقل والإرادة والذكاء.
ولعينيه المعتدلتين في السعة من غير ضيق؛ بريق ساحر، يملأ الصدر هيبة وإعجابا وحبا.
وأشهد لقد كان جمال الشيخ محمد عبده من الجنود التي سخرها الله لعبقريته، وكان صوته العذب المؤثر من جنود عبقريته أيضا، كنت طالبا من صغار الطلاب أيام جاء الشيخ محمد عبده إلى الأزهر، وكان أساتذتنا، عفا الله عنهم، لا يفتئون يذمون لنا الشيخ ويمثلونه خطرا على الدين وأهله داهما، فتتأثر بذلك عقولنا الطفلة، وكنت أفر بديني من أن ألقى الأستاذ أو أستمع لدروسه مع أنه صديق لوالدي.
وحضرت درسه مرة لأشهد كيف تشيه وجوه الملحدين وتشيه معها عقولهم وقلوبهم.
فلما رأيت الرجل بالرواق العباسي وسمعته يفسر كتاب الله، قلت - منذ ذلك اليوم: اللهم إن كان هذا إلحادا فأنا أول الملحدين:
إن كان رفضا حب آل محمد
Unknown page