CHECK [مقدمة العمدة]

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي شرح صدور العلماء لقبول أسرار شريعته الغراء، وجعلهم حملة شريعته ومهرة طريقته الزهراء، ولقبهم بما زاد به فضلهم وفخرهم على لسان حبيبه وصفيه، فأخبر أنهم ورثة الأنبياء، ووعد لمن تفقه في الدين المتين، وغاص في بحار الشرع المبين بجزيل النعماء، وأعد لهم منازل شريفة، ومراتب لطيفة يوم الحساب والجزاء.

أحمده حمدا كثيرا وأشكره شكرا كبيرا على ما خص أهل العلم بفضائل لا تعد ولا تحصى في الدنيا والعقبى، وروح نفوسهم بقوله في كتابه: {إنما يخشى الله من عباده العلماء}.

أشهد أنه لا إله الا هو وحده لا شريك له في الابتداء والانتهاء، وأشهد أن سيدنا محمد عبده ورسوله، تاج الشريعة، وبرهان الطريقة البيضاء، المخصوص بشرف السعاية، وحسن الرعاية، شمس الأئمة وسراج الخليقة بلا امتراء، الذي أوضح لنا الحلال والحرام، ونبه على مشتبهات الأحكام، وقنن قوانين الاهتداء.

Page 6

اللهم صل وسلم وبارك عليه صلاة دائمة متوالية بلا انقطاع ولا إحصاء، وعلى آله وصحبه الذين هاجروا لنصرته، ونصروا فى هجرته، نجوم الاهتداء(1) وقروم(2) الاقتداء، أوضحوا سبل الهداية، وبلغوا في نصرة الدين أقصى النهاية، وجاهدوا في إعلاء كلمة الله من غير سمعة ولا رياء.

وعلى من تبعهم من الأئمة المجتهدين الذين دونوا الدواوين، وقننوا القوانين، واستنبطوا أحكام الوقائع والحوادث من العبارة والإشارة، والدلالة والاقتضاء، جزاهم الله عني وعن سائر المسلمين خير الجزاء، لا سيما على إمامنا الأعظم، وإمامنا الأقدم، سيد التابعين، ورأس المجتهدين، أبي حنيفة النعمان بن ثابت الكوفي، رئيس أرباب الاتقاء، وعلى مقلديهم ومتبعيهم، ومن سلكك مسلكهم، وتمذهب بذهبهم من المفسرين والمحدثين والمتكلمين والفقهاء.

أما بعد:

Page 7

فيقول الراجي عفو ربه القوي، أبو الحسنات محمد عبد الحي اللكهنوي(1) تجاوز الله عن ذنبه الجلي والخفي، ابن صدر العلم، بدر الفضلاء، شمس الفقهاء، تاج الكملاء، البحر الزخار، الغيث المدرار، صاحب التصانيف النافعة، ذي المناقب والمحامد الوافرة، مولانا الحاج الحافظ محمد عبد الحليم، أدخله الله دار النعيم، وأوصله إلى مقام كريم:

إنه لا يخفى على أرباب النهى أن أفضل الفضائل وأكمل الشمائل هو التفقه في الدين، وإليه أشار سيد المرسلين، بقوله الذي أخرجته أئمة الدين: ((من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين))(2) وهو الوصف الذي يمتاز به المرء بين الأقران، والأماثل، ويكون مشارا إليه في الفضل والكمال بالأنامل، فطوبى لمن علمه وتعلمه، وباحث فيه ودرسه.

Page 8

وقد صنفت في علم الفقه كتب شريفة، وزبر نظيفة، وسيطة ووجيزة، وبسيطة وقصيرة، ومن أجل الكتب المتوسطة المشتملة على الأصول الفروع المعتبرة، التي هبت عليها رياح القبول، واستحسنتها علماء النقول، كتاب ((الوقاية في مسائل الهداية)) لبرهان الشريعة، وشرحها لتلميذه صدر الشريعة، برد الله مضجعهما، وقدس الله مبعثهما، وقد نالا خظا وافرا من الاشتهار لا كاشتهار الشمس على نصف النهار.

وقد صرف جمع من الفقهاء عنان عزيمتهم إليهما فكتبوا شروحا وتعليقات عليهما وتداولهما فيما بينهم درسا وتدريسا وتعلما وتعليما، وقد تركوا كلهم ما هو الواجب عليهم من ذكر أدلة الأحكام، وربط الفروع بالأصول بالأحكام:

فمنهم: من اقتصر فأخل.

ومنهم: من طول فأمل، ترى:

بعضهم: يكتفون على حل المواضع السهلة، ويتركون كشف المقامات المغلقة.

وبعضهم: يكثرون بإبراد الأسئلة والأجوبة.

وبعضهم: يطولون بإيراد الفروع الفقهية.

Page 9

وقد كنت حين أقرأ ((شرح الوقاية)) حضرة الوالد العلام أخله الله دار السلام، كتبت عليه تعليقا بأمره الشريف، حاويا على حل بعض المقامات على حسب تقريره المنيف، ثم لما ترقى بي الحال، وترفعت من الحضيض إلى أوج الكمال، رأيته لا يغني لطالبه باختصاره، ولا يفيد للكملة باقتصاره، فشرعت في شرح كبير مسمى ب((السعاية(1) في كشف ما في شرح الوقاية))، التزمت فيه ترصيص المسائل بالدلائل، وتأسيس المنقول بالمعقول، وضبط الفروع بالأصول، مع ذكر اختلاف الصحابة والتابعين ومن بعدهم من المجتهدين، وإيراد أدلتهم على مسلكهم، مع النقض والإبرام والجرح والإحكام، على شريطة الإنصاف من دون التعصب والاعتساف، وأرجو من الله الكريم الذي وفقنا لهذا الأمر العظيم أن يفسح من عمري ويتم أمري، ويكمل شرحي ويتم قصدي، ويجعله ذريعة لنفع عباده، وحكما مصلحا عند المنازعة بين عباده.

Page 10