202

وقال في رواية أخرى: (أخبرني الشيخ الإمام أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم أن سبب تعلمه الفقه أنه شهد جنازة لرجل كبير من إخوان أبيه، فدخل المسجد قبل صلاة العصر، والخلق فيه، فجلس، ولم يركع، فقال له أستاذه -يعني الذي رباه- بإشارة: "أن قم، فصل تحية المسجد"، فلم يفهم، فقال له بعض المجاورين له: "أبلغت هذا السن، ولا تعلم أن تحية المسجد واجبة؟ " (¬1)، وكان قد بلغ حينئذ ستة وعشرين عاما، قال: "فقمت، وركعت، وفهمت إذا إشارة الأستاذ لي بذلك"، قال: فلما انصرفنا من الصلاة على الجنازة إلى المسجد، مشاركة للأحباء من أقرباء الميت، دخلت المسجد، فبادرت بالركوع، فقيل لي: "اجلس، اجلس، ليس ذا وقت صلاة"، فانصرفت عن الميت، وقد خزيت، ولحقني ما هانت على به نفسي، وقلت للأستاذ، دلني على دار الشيخ الفقيه المشاور أبى عبد الله بن دحون، فدلني، فقصدته من ذلك المشهد، وأعلمته بما جرى فيه، وسألت الابتداء بقراءة العلم، واسترشدته، فدلني على كتاب "الموطأ" لمالك بن أنس -رضي الله عنه - فبدأت به عليه قراءة من اليوم التالي لذلك اليوم، ثم تتابعت قراءتي عليه وعلى غيره نحو ثلاثة أعوام، وبدأت بالمناظرة".

وعن عمر بن واجب قال: "بينما نحن عند أبي ببلنسية وهو يدرس المذهب إذ بأبي محمد بن حزم يسمعنا ويتعجب، ثم سأل الحاضرين مسألة من الفقه جووب فيها فاعترض في ذلك، فقال له بعض الحضار: "هذا العلم ليس من منتحلاتك" فقام، وقعد، ودخل منزله، فعكف، ووكف منه وابل، فما كف، وما كان بعد أشهر قريبة حتى قصدنا إلى ذلك الموضع؛ فناظر أحسن مناظرة، وقال فيها: "أنا أتبع الحق، وأجتهد، ولا أتقيد بمذهب".

Page 205