Culama Muslimin
علماء المسلمين والوهابيون
العلماء من جعل الله تعالى على كلامه القبول ومنهم من لم يجعل عليه قبولا فيطعن فيه الناس وها أنا قد أبنت لك عن صحة أدلة مذهب الإمام الأعظم أبي حنيفة رضي الله عنه وإن جميع ما استدل به لمذهبه أخذه عن خيار التابعين وأنه لا يتصور في سنده شخص منهم بكذب أبدا وإن قيل بضعف شئ من أدلة مذهبه فذلك الضعف إنما هو بالنظر للرواة النازلين عن سنده بعد موته وذلك لا يقدح فيما أخذ به الإمام عند كل من استصحب النظر في الرواة وهو صاعد إلى النبي صلى الله عليه وسلم وكذلك تقول في أدلة مذهب أصحابه فلم يستدل أحد منهم بحديث ضعيف فرد لم يأت إلا من طريق واحدة أبدا كما تتبعنا ذلك إنما يستدل أحدهم بحديث صحيح أو حسن أو ضعيف قد كثرت طرقه حتى ارتفع لدرجة الحسن وذلك أمر لا يختص بأصحاب الإمام أبي حنيفة بل يشاركهم فيه جميع المذاهب كلها كما مر إيضاحه فاترك يا أخي التعصب على الإمام أبي حنيفة وأصحابه رضي الله عنهم أجمعين وإياك وتقليد الجاهلين بأحواله وما كان عليه من الورع والزهد والاحتياط في الدين فتقول إن أدلته ضعيفة بالتقليد فتحشر مع الخاسرين وتتبع أدلته كما تتبعناها تعرف أن مذهبه رضي الله عنه من أصح المذاهب كبقية مذاهب المجتهدين رضي الله عنهم أجمعين وإن شئت أن يظهر لك صحة مذهبه كالشمس في الظهيرة ليس دونها سحاب فاسلك طريق أهل الله تعالى على الاخلاص في العلم والعمل حتى تقف على عين الشريعة التي قدمنا ذكرها في أوائل الكتاب فهناك ترى جميع مذاهب العلماء وأتباعهم تتفرع منها وليس مذهب أولى بها من مذهب ولا ترى من أقوال المذاهب قولا واحدا خارجا عن الشريعة فرحم الله تعالى من لزم الأدب مع الأئمة كلهم وأتباعهم فإن الله تعالى جعلهم قدوة للعباد في سائر أقطار الأرض فإنها كلها هدى من الله تعالى ونور وطريق إلى دخول الجنة وعن قريب يقدم عليهم في الآخرة من لزم الأدب معهم وينظر ما يحصل له من الفرح والسرور حين يأخذون بيده ويشفعون فيه ضد ما يحصل لمن أساء معهم الأدب والحمد لله رب العالمين * (فصل) * في بيان ضعف قول من قال إن مذهب الإمام أبي حنيفة أقل المذاهب احتياطا في الدين اعلم يا أخي أن هذا قول متعصب على الإمام رضي الله عنه وليس عند صاحبه ذوق في العلم فإني بحمد الله تتبعت مذهبه فوجدته في غاية الاحتياط والورع لأن الكلام صفة المتكلم وقد أجمع السلف والخلف على كثرة ورع الإمام وكثرة احتياطاته في الدين وخوفه من الله تعالى فلا ينشأ عنه من الأقوال إلا ما كان على شاكلة حاله على أنه ما من إمام إلا وقد شدد في شئ وترك التشديد في شئ آخر توسعة للأمة كما يعرف ذلك من سير مذاهبهم كلها مثل ما سيرناها فبتقدير وجود قلة الاحتياط في شئ من مذهب الإمام أبي حنيفة رضي الله عنه فلا خصوصية له في ذلك فامتحن يا أخي ما قلته لك في جميع أبواب الفقه من باب الطهارة إلى آخر الأبواب تعرف صدق قولي لا سيما في الأموال والايضاع فإنه إن احتاط إمام للمشتري قل احتياطه للبائع وإن احتاط إمام لوقوع الطلاق من الزوج قل احتياطه لمن يتزوجها بعده وبالعكس فقد لا يكون الطلاق وقع بذلك اللفظ الذي قاله الحالف وقس على ذلك سائر مسائل الخلاف ثم إن ما سماه هذا المعترض قلة احتياط من
Page 69