Critiquing the Foundations of the Rationalists
نقض أصول العقلانيين
Publisher
دار علوم السنة
Genres
وكذلك أيضًا من عرف أن معقولاتهم التي يعارضون بها الشرع باطلة، امتنع أن يعارض بها دليلًا ظنيًا عنده، فضلًا عن أن يعارض بها دليلًا يقينيًا عنده، ولهذا كان الذين صرحوا بتقديم الأدلة العقلية على الشرعية مطلقًا، ليس فيهم من يستفيد من الأنبياء علمًا بما أخبروا به، إذا لم يكونوا مقرّين بأن الرسول بلّغ البلاغ المعصوم، بل إيمانهم بالنبوة فيه ريب: إما لتجويز أن يقول خلاف ما يعلم وإما لتجويز أن لا يكون عالمًا بذلك، وإما لأنه جائز في النبوة –لم يجزم بعد بأن النبي معصوم فيما يقوله، وأنه بلّغ البلاغ المبين، فلا تجد أحدًا ممن يقدّم المعقول مطلقًا على خبر الرسول إلا وفي قلبه مرض في إيمانه بالرسول، فهذا محتاج أولًا إلى أن يعلم أن محمدًا رسول الله الصادق المصدوق، الذي لا يقول على الله إلا الحق، وأنه بلّغ البلاغ المبين، وأنه معصوم عن أن يقرّه الله على خطأ فيما بلّغه وأخبر.
الوجه السابع والثلاثون: أن يقال: قول هؤلاء متناقض، والقول المتناقض فاسد. وذلك أن هؤلاء يوجبون التأويل في بعض السمعيات دون بعض، وليس في المنتسبين إلى القبلة، بل ولا في غيرهم، من يمكنه تأويل جميع السمعيات.
وإذا كان كذلك قيل لهم: ما الفرق بين ما جوزتم تأويله، فصرفتموه عن مفهومه الظاهر ومعناه البيّن وبين ما أقررتموه؟ .
فهم بين أمرين: إما أن يقولوا ما يقوله جمهورهم: إن ما عارضه عقلي قاطع تأولناه، وما لم يعارضه عقلي قاطع أقررناه.
فيقال لهم: فحينئذ لا يمكنكم نفي التأويل عن شيء، فإنه لا يمكنكم نفي جميع المعارضات العقلية، كما تقدّم بيانه.
5 / 19