Criterion Between the Allies of the Merciful and the Allies of the Devil 1
الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان ١
Genres
أجناس الخوارق
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وأولياء الله العارفون يعرفون ذلك ويعلمون أن للشيطان فيه نصيبًا وافرًا، ولهذا تاب منه خيار من حضره منهم.
ومن كان أبعد عن المعرفة وعن كمال ولاية الله كان نصيب الشيطان فيه أكثر وهو بمنزلة الخمر يؤثر في النفوس أعظم من تأثير الخمر.
ولهذا إذا قويت سكرة أهله نزلت عليهم الشياطين، وتكلمت على ألسنة بعضهم، وحملت بعضهم في الهواء، وقد تحصل بينهم عداوة كما تحصل بين شراب الخمر، فتكون شياطين أحدهم أقوى من شياطين الآخر فيقتلونه، ويظن الجهال أن هذا من كرامات أولياء الله المتقين، وإنما هذا مبعد لصاحبه عن الله، وهو من أحوال الشياطين، فإن قتل المسلم لا يحل إلا بما أحله الله، فكيف يكون قتل معصوم الدم مما يكرم الله به أولياءه؟ وإنما غاية الكرامة لزوم الاستقامة، فلم يكرم الله عبدًا بمثل أن يعينه على ما يحبه ويرضاه، ويزيده مما يقربه إليه ويرفع به درجته.
وذلك أن الخوارق منها ما هو من جنس العلم كالمكاشفات، ومنها ما هو من جنس القدرة والملك كالتصرفات الخارقة للعادات ومنها ما هو من جنس الغنى، من جنس ما يعطاه الناس في الظاهر من العلم والسلطان والمال والغنى.
وجميع ما يؤتيه الله لعبده من هذه الأمور إن استعان به على ما يحبه الله ويرضاه ويقربه إليه ويرفع درجته ويأمره الله به ورسوله ﷺ ازداد بذلك رفعة وقربًا إلى الله ورسوله ﷺ، وعلت درجته.
وإن استعان به على ما نهى الله عنه ورسوله ﷺ كالشرك والظلم والفواحش استحق بذلك الذم والعقاب، فإن لم يتداركه الله تعالى بتوبة أو حسنات ماحية وإلا كان كأمثاله من المذنبين، ولهذا كثيرًا ما يعاقب أصحاب الخوارق تارة بسلبها كما يعزل الملك عن ملكه، ويسلب العالم علمه، وتارة بسلب التطوعات فينقل من الولاية الخاصة إلى العامة، وتارة ينزل إلى درجة الفساق، وتارة يرتد عن الإسلام -نعوذ بالله- وهذا يكون فيمن له خوارق شيطانية، فإن كثيرًا من هؤلاء يرتد عن الإسلام.
وكثير منهم لا يعرف أن هذه شيطانية بل يظنها من كرامات أولياء الله، ويظن من يظن منهم أن الله ﷿ إذا أعطى عبدًا خرق عادة لم يحاسبه على ذلك، كمن ظن أن الله إذا أعطى عبدًا ملكًا ومالًا وتصرفًا لم يحاسبه عليه].
فهو يعتبر نفسه أنه أصبح في منزلة من لا يسأل عما يفعل، فيظن أنه بملكه هذا أصبح لا يسأل عما يفعل؛ لأن الله أعطاه المال والملك لعلمه به أنه من أهل الكرامة، وإذا مات أحدهم فإنه يموت فيعتبرونه في رحاب الله وفي فسيح الجنات، وهذا لأجل أنه كان رئيسًا أو ملكًا والعياذ بالله! قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ومنهم من يستعين بالخوارق على أمور مباحة لا مأمور بها ولا منهي عنها، فهذا يكون من عموم الأولياء وهم الأبرار المقتصدون، وأما السابقون المقربون فأعلى من هؤلاء، كما أن العبد الرسول أعلى من النبي الملك.
ولما كانت الخوارق كثيرًا ما تنقص بها درجة الرجل كان كثير من الصالحين يتوب من مثل ذلك، ويستغفر الله، كما يتوب من الذنوب كالزنا والسرقة، وتعرض على بعضهم فيسأل الله زوالها، وكلهم يأمر المريد السالك ألا يقف عندها، ولا يجعلها همته، ولا يتبجح بها مع ظنهم أنها كرامات، فكيف إذا كانت بالحقيقة من الشياطين تغويهم بها؟! فإني أعرف من تخاطبه النباتات بما فيها من المنافع، وإنما يخاطبه الشيطان الذي دخل فيها، وأعرف من يخاطبهم الحجر والشجر وتقول: هنيئًا لك يا ولي الله! فيقرأ آية الكرسي فيذهب ذلك].
ولو كان هذا فعلًا من الكرامات لاستمرت معه عند قراءة آية الكرسي.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ومنهم من يقصد صيد الطير فتخاطبه العصافير وغيرها وتقول: خذني حتى يأكلني الفقراء].
وكل هذا من خدعة الشياطين لأجل أن يظنوا من أنفسهم أنهم أولياء، والشيطان أصلًا هدفه أن يغتر الإنسان بنفسه فيجعل نفسه وليًا، وهذا هدف كبير جدًا، فهو إما بعد ذلك يزكي نفسه، أو أن الجن هم الذين يكلموه إلى غاية أن يقول: فعلًا أنا ولي! قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ويكون الشيطان قد دخل فيها كما يدخل في الإنس ويخاطبه بمثل ذلك.
ومنهم من يكون في البيت وهو مغلق فيرى نفسه خارجه وهو لم يفتح، وبالعكس، وكذلك في أبواب المدينة وتكون الجن قد أدخلته وأخرجته بسرعة وتريه أنوارًا وتحضر عنده من يطلبه ويكون ذلك من الشياطين يتصورون بصورة صاحبه فإذا قرأ آية الكرسي مرة بعد مرة ذهب ذلك كله].
أي: أنه يخرج من البيت فيجد نفسه داخل البيت، وتكون الجن قد أدخلته وأخرجته بسرعة، أو تمر به أنوار أو تحضر الجن من يطلبه، أي: الشخص الذي هو يريده.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وأعرف من يخاطبه مخاطب، ويقول له: أنا من أمر الله ويعده بأنه المهدي الذي بشر به النبي ﷺ، ويظهر له الخوارق مثل أن يخطر بقلبه تصرف في الطير والجراد في الهواء].
فإذا خطر بقلبه ذهاب الطير أو الجراد يمينًا أو شمالًا ذهب حيث أراد.
فيقع في قلبه ويقول له الطير: هذا ما خطر بقلبك وما كنت تريده، فيظن أن هذا الكلام كله كرامة.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وفي المواشي فإذا خطر بقلبه ذهاب الطير أو الجراد يمينًا وشمالًا ذهب حيث أراد، وإذا خطر بقلبه قيام بعض المواشي أو نومه أو ذهابه حصل له ما أراد من غير حركة منه في الظاهر، وتحمله إلى مكة وتأتي به، وتأتيه بأشخاص في صورة جميلة وتقول له: هذه الملائكة الكروبيون أرادوا زيارتك؛ فيقول في نفسه: كيف تصوروا بصورة المردان؟ فيرفع رأسه فيجدهم بلحى، ويقول له: علامة أنك المهدي أن تنبت في جسدك شامة فتنبت ويراها، وغير ذلك، وكله من مكر الشيطان.
وهذا باب واسع لو ذكرت ما أعرفه منه لاحتاج إلى مجلد كبير].
والإمام ابن تيمية يقصد بهذا سيرة الصوفية وما يحصل لهم، فهو ﵀ كان يخاطب الصوفية كثيرًا، وتاب على يديه جماعات منهم ابن القيم ﵀، فـ ابن القيم كان أصله من أصحاب الطرق الصوفية، ولما التقى بشيخ الإسلام ابن تيمية ﵀ عرف الحق وتاب، ومن أمثاله ابن رجب فقد صار إلى السنة على يد شيخ الإسلام ابن تيمية ﵏، ولذلك تجد منهم من يتكلم عن الصوفية في هذه الأشياء التي قد لا يعرفها غيرهم، وكم من أناس كانت تحصل لهم هذه الأشياء والمكاشفات، ثم إذا بهم يخرجون من هذا النفق المظلم.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وهذا باب واسع لو ذكرت ما أعرفه منه لاحتاج إلى مجلد كبير، وقد قال تعالى: ﴿فَأَمَّا الإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ * وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ﴾ [الفجر:١٥ - ١٦].
قال الله ﵎: ﴿كَلَّا﴾ [الفجر:١٧] ولفظ (كلا) فيها زجر وتنبيه عن مثل هذا القول، وتنبيه على ما يخبر به ويؤمر به بعده، وذلك أنه ليس كل من حصل له نعم دنيوية تعد كرامة، يكون الله ﷿ مكرمًا له بها، ولا كل من قدر عليه ذلك -من الضيق- يكون مهينًا له بذلك، بل هو سبحانه يبتلي عبده بالسراء والضراء، فقد يعطي النعم الدنيوية لمن لا يحبه ولا هو كريم عنده؛ ليستدرجه بذلك، وقد يحمي منها من يحبه ويواليه؛ لئلا تنقص بذلك مرتبته عنده، أو يقع بسببها فيما يكرهه منه.
وأيضًا كرامات أولياء الله لا بد أن يكون سببها الإيمان والتقوى.
فما كان سببه الكفر والفسوق والعصيان فهو من خوارق أعداء الله لا من كرامات أولياء الله].
وهذا مثلما يجري على أيدي النصارى؛ فإنهم في كل فترة يقولون: العذراء ظهرت على الكنيسة الفلانية، ونحو ذلك، وهذه كلها سببها الكفر والفسوق والعصيان، وهذه لا بد أن تكون من خوارق العادات التي يتكلم فيها أعداء الله.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فمن كانت خوارقه لا تحصل بالصلاة والقراءة والذكر وقيام الليل والدعاء وإنما تحصل عند الشرك مثل: دعاء الميت والغائب، أو بالفسق والعصيان، وأكل المحرمات: كالحيات والزنابير -يقصد الثعابين فهو محرم أكلها- والخنافس والدم وغيرها من النجاسات، ومثل الغناء والرقص لا سيما مع النسوة الأجانب والمردان، وحالة خوارقه تنقص عند سماع القرآن، وتقوى عند سماع مزامير الشيطان، فيرقص ليلًا طويلًا].
والمراد: أنه يهتز في ليلة الحضرة، ولذلك تجد في كتاب الإحياء: أن الإنسان أحيانًا يفضل استماع الرقص على سماع القرآن؛ لأنه يقول: إنه يؤثر في النفوس أكثر، وهذا من البدع المنكرة المحدثة، فهو يقول: إن أي مجلس فيه سماع شيطان بهذه الطريقة يكون أحسن في حق أي إنسان حتى ولو وجد في نفسه ما وجد، والأصل: أن يرد هذا الوجد والذوق إلى الكتاب والسنة، حتى يبقى الذوق والوجد صحيحًا، أما إذا وقع في قلبه ذلك وليس على منهاج الكتاب والسنة فلا بد أن يجتنبه.
يقول المؤلف رحمه الله تعالى: [فيرقص ليلًا طويلًا، فإذا جاءت الصلاة صلى قاعدًا -من كثرة الرقص- أو ينقر الصلاة نقر الديك، وهو يبغض سماع القرآن وينفر عنه، أو يتكلفه ليس له فيه محبة ولا ذوق ولا لذة عند وجده، ويحب سماع المكاء والتصدية، ويجد عنده مواجيد، فهذه أحوال شيطانية، وهو ممن يتناوله قوله تعالى: ﴿وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ﴾ [الزخرف:٣٦]، فالقرآن هو ذكر الرحمن، قال الله تعالى: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى﴾ [طه:١٢٤ - ١٢٦].
يعني: تركت العمل بها.
قال ابن عباس ﵄: تكفل الله لمن قرأ كتابه وعمل بما فيه ألا يضل في الدنيا، ولا يشقى في الآخرة ثم قرأ هذه الآية].
فإن من يتك
9 / 5