Criterion Between the Allies of the Merciful and the Allies of the Devil 1
الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان ١
Genres
حكم الصبر والرضا عند المصائب
قال المؤلف رحمه الله تعالى: (والمؤمن مأمور عند المصائب أن يصبر ويسلم، وعند الذنوب أن يستغفر ويتوب.
قال الله تعالى: ﴿فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ﴾ [غافر:٥٥]، فأمره بالصبر على المصائب والاستغفار من المعائب).
وهذا كلام حق بلا شك، فسيدنا آدم كان يعتقد الملام على الذنب الذي تاب منه؛ لأجل أنه مقدر.
إذًا: نجمع بين ما دل عليه الحديث كله ونقول به كله، فسيدنا آدم يعتقد أنه ليس عليه لوم؛ لأنه قد تاب من الذنب، والذنب بعد التوبة ينزل منزلة المصيبة، ثم نقول: إن سيدنا موسى يعلم أن التائب من الذنب لا يلام، ويعلم بأن المصيبة لا يمكن أن يلام عليها، إلا إذا كانت مترتبة على ذنب.
وبالتالي فإننا نحمل خطأ سيدنا موسى على أنه كان يلوم على المصيبة المجردة، فسيدنا موسى أخطأ لما لامه على مصيبة ترتبت على ذنب قد تاب منه، وهنا يصح الاحتجاج بالقدر، فمتى يصح الاحتجاج بالقدر على الذنب؟ عندما يتوب الإنسان توبة مقبولة نصوحًا.
وهذا هو الذي حصل من كعب بن مالك رضي الله تعالى عنه عندما وقع في معصية وذنب، فقد جلس متذكرًا لهذا الذنب ونادمًا عليه، وهذا معنى التوبة، ولذلك قال: (فهممت أن أرتحل فأدركهم، فيا ليتني فعلت، غير أنه لم يقدر لي ذلك) فهو هنا يعزي نفسه بالقدر، وهو في نفس الوقت مستحضر حقيقة التوبة، التي هي الندم، لكن هو غير ملام، وبالتالي يحكي قصة فضل ربنا عليه بالتوبة.
فالإنسان يحتج بالقدر على ذنب تاب منه؛ لأنه صار بعد التوبة بمنزلة المصيبة، فشيخ الإسلام ﵀ في هذه المسألة خالف الحديث، وذلك حين قال: إن سيدنا موسى لامه على المصيبة، والصواب: أن سيدنا موسى لامه على مصيبة ترتبت على ذنب، أو لامه على ذنب ترتبت عنه مصيبة؛ لأنه غير ممكن أن يلومه على شيء ليس له دخل فيها، فكان لا بد أن يكون له دخل في الموضوع، وسيدنا آدم احتج بالقدر؛ لأن المصيبة حصلت وهو لم يخترها، والذنب كان مكتوبًا عليه، وقد تاب منه، فلا بد أن يحتج بالقدر.
ثم يقول: (وقال تعالى: ﴿مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ﴾ [التغابن:١١].
قال ابن مسعود: هو الرجل تصيبه المصيبة فيعلم أنها من عند الله فيرضى ويسلم).
فالمؤمنون إذا أصابتهم مصيبة مثل: المرض والفقر والذل صبروا لحكم الله، وان كان ذلك بسبب ذنب غيرهم، كمن أنفق أبوه ماله في المعاصي فافتقر أولاده لذلك، فعليهم أن يصبروا لما أصابهم وإذا لاموا الأب لحظوظهم ذكر لهم القدر).
أي: أنهم لو لاموا أباهم بعدما تاب، فله أن يحتج بالقضاء والقدر، لكن لو كان مصرًا على المعاصي، فليس له أن يحتج بالقدر.
ثم يقول: (والصبر واجب باتفاق العلماء، وأعلى من ذلك الرضا بحكم الله)، أي: الصبر لا زالت النفس تكرهه، وأما الرضا فهو شهود حكمة الله ﷿ في القدر مما يجعل العبد لا يشعر بألم المكروه.
ثم يقول: (والرضى قد قيل: إنه واجب) وهو الرضا بالمصائب، وإلا فالرضا بالله ربًا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد ﷺ نبيًا ورسولًا واجب بلا شك، وكذا الرضا بحكم الله ﷿ الشرعي، فلا بد أن يرضى الإنسان بحكم الله الشرعي.
ثم يقول: (وقيل: إنه هو مستحب) وهو الصحيح (وأعلى من ذلك أن يشكر الله على المصيبة، لما يرى من إنعام الله عليه بها).
أي: أنه ليس الغرض تحريك اللسان، وإنما المقصود أن يحمد الله على المصيبة؛ لأنه يرى في المحنة منحة، ويشكر الله على المنحة، وقد زال عنه شهود ألم المحنة.
ثم يقول: (حيث جعلها سببًا لتكفير خطاياه، ورفع درجاته، وإنابته إلى الله، وتضرعه إليه، وإخلاصه له في التوكل عليه، ورجائه دون المخلوقين.
وأما أهل الغي والضلال فتجدهم يحتجون بالقدر إذا أذنبوا واتبعوا أهواءهم، ويضيفون الحسنات إلى أنفسهم إذا أنعم عليهم بها، كما قال بعض العلماء: أنت عند الطاعة قدري وعند المعصية جبري، أيّ مذهب وافق هواك تمذهبت به! وأهل الهدى والرشاد إذا فعلوا حسنة شهدوا إنعام الله بها عليهم، وأنه هو الذي أنعم عليهم وجعلهم مسلمين، وجعلهم يقيمون الصلاة، وألهمهم التقوى، وأنه لا حول ولا قوة إلا به، فزال عنهم بشهود القدر العجب والمن والأذى) أي: الإعجاب ويمنون على غيرهم بالطاعة، قال تعالى عنهم: ﴿يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾ [الحجرات:١٧]، أي: يمن على الله ﷿، ويرى أن له فضلًا على الدين والعياذ بالله.
ثم يقول: (وإذا فعلوا سيئة استغفروا الله وتابوا إليه منها.
ففي صحيح البخاري عن شداد بن أوس قال: قال رسول الله ﷺ: (سيد الاستغفار أن يقول العبد: اللهم أنت ربى لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك علي وأبوء بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، من قالها إذا أصبح مؤمنًا بها فمات من يومه دخل الجنة، ومن قالها إذا أمسى مؤمنًا بها فمات من ليلته دخل الجنة).
وفي الحديث الصحيح عن أبي ذر ﵁ عن النبي ﷺ فيما يرويه عن ربه ﵎ أنه قال: (يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرمًا، فلا تظالموا، يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعًا ولا أبالي، فاستغفروني أغفر لكم، يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته فاستطعموني أطعمكم، يا عبادي كلكم عار إلا من كسوته فاستكسوني أكسكم، يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم، يا عبادي إنكم لن تبغلوا ضري فتضروني، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئًا، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئًا، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم اجتمعوا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل إنسان مسألته، ما نقص ذلك مما عندي، إلا كما ينقص البحر إذا غمس فيه المخيط غمسة واحدة، يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها فمن وجد خيرًا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه) فأمر سبحانه بحمد الله على ما يجده العبد من الخير وأنه إذا وجد شرًا فلا يلومن إلا نفسه.
وكثير من الناس يتكلم بلسان الحقيقة-أي: الحقيقة القدرية الكونية- ولا يفرق بين الحقيقة الكونية القدرية المتعلقة بخلقه ومشيئته وبين الحقيقة الدينية الأمرية المتعلقة برضاه ومحبته، ولا يفرق بين من يقوم بالحقيقة الدينية موافقًا لما أمر الله به على ألسن رسله وبين من يقوم بوجده وذوقه غير معتبر ذلك بالكتاب والسنة).
أي: أن هؤلاء الصوفية يقومون بالوجد والذوق، ويقول لك: أنا ارتحت لهذا الموضوع وذقت حلاوته.
غير معتبر بالكتاب والسنة.
6 / 7