Criterion Between the Allies of the Merciful and the Allies of the Devil 1
الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان ١
Genres
طبقات أولياء الله في سورة الإنسان
قال المؤلف ﵀: [وقال تعالى في سورة الإنسان: ﴿إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا * إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلاسِلا وَأَغْلالًا وَسَعِيرًا﴾ [الإنسان:٣ - ٤]].
«إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ» أي: بينا له السبيل، فمنهم شاكر ومنهم كفور، أو «إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ» بمعنى: قذف الله ﷿ في قلوبهم إرادة أحد الطريقين، فجعل بعضهم شاكرين، وجعل بعضهم كفارًا، والعياذ بالله.
فالقول الأول: بينا السبيل لكل إنسان وخير بين أن يكفر، وبين أن يشكر.
والقول الثاني: هداية توفيق، وما يقذفه الله ﷿ في قلب العبد، فقد قذف في قلوب المؤمنين إرادة الشكر، ومحبة وطريق الخير، وقذف في قلوب الكفار الكفران والبعد عن طاعة الله.
قال: ﴿إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلاسِلا وَأَغْلالًا وَسَعِيرًا﴾ [الإنسان:٤]، السلاسل: ما تقيد به الأيدي والأرجل، والأغلال: ما يوضع في الأعناق، والسعير: النار المشتعلة.
قوله تعالى: ﴿إِنَّ الأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا﴾ [الإنسان:٥]، قوله تعالى: «إِنَّ الأَبْرَارَ»: أصحاب اليمين، «يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا» تمزج من الكافور، «عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ»، أي: عينًا يشرب بها المقربون، «يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا»: في كل موطن يريدون أن تتفجر منه أنهار الأرض هذا الماء من هذا الشراب العذب الذي يمنع لغيرهم منه، فهم في كل موضع يريدون أن تتفجر ولا يحتاجون إلى الذهاب إلى أماكن معينة لشرب الماء، بل هو حاضر في كل موضع بإرادتهم، إذا فجروه في أي موضع تفجر.
قوله تعالى: ﴿يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا﴾ [الإنسان:٧]، أي: كان شره منتشرًا.
وقوله تعالى: ﴿وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا﴾ [الإنسان:٨]، أي: رغم أنهم يحبون ويحتاجون إلا أنهم يطعمون الطعام رغم حبهم له «مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا»، ويقولون في أنفسهم: ﴿إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُورًا * إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا﴾ [الإنسان:٩ - ١٠] أي: شديدًا.
﴿فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا * وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا﴾ [الإنسان:١١ - ١٢] الآيات.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: (وكذلك ذكر في سورة المطففين فقال: ﴿كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ﴾ [المطففين:٧] أي: سجن، كلما ثقل ضاق ولم يطق.
إلى أن قال: ﴿كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ * كِتَابٌ مَرْقُومٌ﴾ [المطففين:١٨ - ٢٠]، بدل من كتاب، ليس بدلًا من عليين، ﴿كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ﴾ [المطففين:١٨]، هو كتاب مرقوم أي: رقم، كتب فيه ما أمر الله ﷿، ﴿يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ﴾ [المطففين:٢١]، فهم يشهدون ما في هذا الكتاب العارف بأعمالهم.
﴿إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * عَلَى الأَرَائِكِ يَنظُرُونَ * تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ * يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ * خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ * وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ * عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ﴾ [المطففين:٢٢ - ٢٨].
وعن ابن عباس ﵄ وغيره من السلف قالوا: يمزج لأصحاب اليمين مزجًا ويشرب بها المقربون صرفًا، وهو كما قالوا، فإنه تعالى قال: «يَشْرَبُ بِهَا»، ولم يقل: يشرب منها؛ لأنه ضمن قوله: يشرب معنى يروى، تقول: ضمنت فعل ما، ما هنا: فعل آخر، ولذلك عداه بآلته، فكلمة يروى: يشرب بها، فكلمة يشرب: ليس معناها: يشربها ويشرب منها، لكن يشرب بها؛ لأنه ضمنها معنى الارتواء، فإن الشارب قد يشرب ولا يروى، فإذا قيل: يشربون منها لم يدل على الري، وإذا قيل: يشربون بها كان المعنى: يروون بها، فالمقربون يروون بها فلا يحتاجون معها إلى ما دونها، فلهذا يشربون منها صرفًا، بخلاف أصحاب اليمين، فإنها مزجت لهم مزجًا، وهو كما قال تعالى في سورة الإنسان: ﴿كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا * عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا﴾ [الإنسان:٥ - ٦]، فعباد الله هم: المقربون المذكورون في تلك السورة؛ وهذا لأن الجزاء من جنس العمل في الخير والشر، كما قال النبي ﷺ: (من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلمًا ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه، ومن سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهل الله له به طريقًا إلى الجنة، وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه) رواه مسلم في الصحيح، وقال ﷺ: (الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء).
قال الترمذي: حديث صحيح.
وفي الحديث الآخر الصحيح الذي في السنن عن النبي ﷺ: (يقول الله تعالى: أنا الرحمن خلقت الرحم وشققت لها اسمًا من اسمي فمن وصلها وصلته ومن قطعها بتته) -أي: قطعته- وقال: (ومن وصلها وصله الله ومن قطعها قطعه الله) ومثل هذا كثير.
2 / 4