Corrections of Al-Samin Al-Halabi on Ibn Atiyah
استدراكات السمين الحلبي على ابن عطية
Genres
المملكة العربية السعودية
وزارة التعليم العالي
جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
كلية أصول الدين
قسم القرآن وعلومه
استدراكات السمين الحلبي في الدر المصون
على ابن عطية في القراءات والتفسير وإعراب القرآن
جمعًا ودراسة
رسالة مقدمة لنيل درجة الماجستير في القرآن وعلومه
إعداد الطالبة
هنادي بنت عبد العزيز بن أحمد الموسى
إشراف
د. نور محمد علي مكاوي
الأستاذ المساعد بقسم القرآن وعلومه
العام الجامعي: ١٤٣٣/ ١٤٣٤ هـ
1 / 1
بسم الله الرحمن الرحيم
1 / 2
المقدمة
الحمد لله الذي أنعم علينا بالقرآن العظيم، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، جعله - تعالى- عبرة لمن اعتبر، وكفاية لمن تفكر في آياته وتدبر، وذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، والصلاة والسلام على نبينا المختار، وعلى آله وصحبه الطيبين الأخيار، وعلى التابعين لهم بإحسان والمقتدين بهم في كل زمان.
أما بعد:
فإن علوم الدين الإسلامي هي أشرف العلوم وأنفعها، وقد تعددت هذه العلوم وتنوعت، وعلم التفسير هو أعلاها قدرًا وأسماها منزلة؛ لتعلقه بكلام الله - تعالى-، ونظرًا لأهمية علم التفسير ومنزلته صنف كثير من العلماء في هذا العلم، وتنوعت طرائقهم في التصنيف، وتعددت اهتماماتهم، وكان من هؤلاء العلماء: شهاب الدين أبو العباس أحمد بن يوسف، المعروف بالسمين الحلبي، فقد صنف كتابه (الدر المصون في علوم الكتاب المكنون)، وركز فيه على الناحية اللغوية والإعرابية للقرآن الكريم، فهو من أبرز مراجع التفسير اللغوي وإعراب القرآن، كما اعتنى بتوجيه القراءات القرآنية صحيحها وشاذها.
وقد تعددت مصادره التفسيرية واللغوية في هذا الكتاب، لكنه لا يكتفي بالنقل عمن سبقه بل يناقش الأقوال ويرجح ويدلل، كل ذلك في أسلوب علمي مميز قائم على منهج منضبط.
1 / 3
وكان من أبرز مصادره: تفسير ابن عطية، وهو يحتل الدرجة الثالثة بعد كتابي أبي حيان والزمخشري في المصادر التي نقل عنها (^١).
ولم يكتفِ بالنقل عنه بل استدرك عليه وناقشه كثيرًا، وقد أفصح عن ذلك في مقدمة كتابه حيث قال: "وذكرت كثيرًا من المناقشات الواردة على أبي القاسم الزمخشري وأبي محمد بن عطية" اهـ (^٢)، وكانت أغلب تلك المناقشات في مجال الإعراب والقراءات، ونظرًا لكثرتها وقيمتها العلمية اخترتها لتكون موضوع بحثي لرسالة الماجستير في القرآن وعلومه.
وقد تتبعتُ المواضع التي نقل فيها السمين عن ابن عطية ثم أتبع قول ابن عطية بقول له يبين فيه خطأه ويرد عليه، أو يُكمل نقصًا في قوله أو يزيل عنه لبسًا، أو يذكر معنى أولى من قول ابن عطية لوجهٍ من وجوه الترجيح، وجمعت تلك الاستدراكات وقسّمتها حسب موضوعها، ورتبتها حسب ترتيب السور والآيات في المصحف، ثمّ درست تلك الاستدراكات.
* أهمية الموضوع وأسباب اختياره:
١ - أن أسلوب الاستدراك من الأساليب المعتمدة في بيان المعاني وإيضاحها، وهو من أفضل أساليب الرد والتصحيح. (^٣)
٢ - أهمية تفسير ابن عطية وقيمته العلمية الفائقة جعلتني أختار أقواله التي تعقبه فيها السمين كموضع للبحث والدراسة.
٣ - تميز السمين الحلبي في مناقشاته، ودقة استدراكاته، وتحليه بالأسلوب العلمي في الرد على من خالفه.
_________
(^١) ينظر: منهج السمين الحلبي في التفسير في كتابه الدر المصون، لعيسى الدريبي (ص: ١٧٦).
(^٢) الدر المصون في علوم الكتاب المكنون (١: ٥)، تحقيق: د. أحمد الخراط.
(^٣) ينظر: استدراكات السلف في التفسير في القرون الثلاثة الأولى، لنايف الزهراني (ص: ٤٢٦).
1 / 4
٤ - كثرة استدراكات السمين الحلبي على ابن عطية، وقيمتها العلمية، واعتدال السمين في موقفه من ابن عطية؛ فتارة ينقل عنه ويؤيد قوله، وتارة يرد عليه، وتارة يدافع عنه أمام مَن رد عليه ويلتمس له الأدلة.
٥ - مكانة الدر المصون العلمية؛ فهو يعد جامعًا لخلاصة كثير من كتب إعراب القرآن، وقد قيل عنه: هو أجل كتب إعراب القرآن (^١)، وعُني أيضًا بذكر القراءات ودافع عنها وخرجّها، كما أنه يعتبر من أبرز مراجع التفسير اللغوي.
٦ - تميز منهج السمين الحلبي في إعراب القرآن؛ فهو يلتزم بالظاهر ويرفض التكلف في الإعراب، كما أنه اعتمد القرآن الكريم والحديث النبوي وكلام العرب في إعرابه للقرآن، واعتنى بالترجيح بين الأعاريب.
* أهداف البحث:
١ - بيان موقف السمين الحلبي من تفسير ابن عطية.
٢ - جمع استدراكات السمين على ابن عطية في بحث مستقل.
٣ - دراسة استدراكات السمين الحلبي على ابن عطية دراسة مقارنة، وترجيح ما يظهر رجحانه.
* حدود البحث:
استدراكات السمين الحلبي في "الدر المصون" على ابن عطية في القراءات والتفسير وإعراب القرآن، من أول القرآن إلى آخره، وجمعها ودراستها.
ويخرج بهذا القيد: استدراكات أبي حيان على ابن عطية التي نقلها السمين عن شيخه نصًا أو مع شيء من التصرف أو الاختصار (^٢)، أمّا الاستدراكات التي نقلها مع زيادة منه على كلام شيخه كأنْ يضيف سببًا لتضعيف قول ابن عطية لم يذكره شيخه فتلك داخلة في هذا البحث.
_________
(^١) ينظر: الإتقان في علوم القرآن، لجلال الدين السيوطي (٢: ٤٤٧).
(^٢) هناك أكثر من مائة استدراك لأبي حيان على ابن عطية نقلها السمين عن شيخه دون أن يصرح أنها من كلام شيخه.
1 / 5
* الدراسات السابقة:
لم أجد دراسة عنيت بجمع استدراكات السمين الحلبي على ابن عطية، ولكن هناك دراسات تناولت بعض الجوانب المتعلقة بهذا الموضوع، ودراسات أخرى ليس لها علاقة بموضوع بحثي، وفيما يلي ذكر لأبرز تلك الدراسات:
١ - منهج السمين الحلبي في التفسير في كتابه الدر المصون، للدكتور: عيسى الدريبي، وهي رسالة قدمت لنيل درجة الماجستير في قسم القرآن بكلية أصول الدين في جامعة الإمام محمد بن سعود، ونوقشت عام ١٤١٨ هـ.
وقد بين الباحث في رسالته أن تفسير ابن عطية من المصادر الأساسية التي اعتمد عليها السمين الحلبي في "الدر المصون"، وتحدث عن المجالات التي نقل عنه فيها، وطريقته في النقل عنه، وموقفه مما ينقله، وذكر أيضًا أن السمين اعتنى بمناقشة المعربين والرد عليهم ومنهم ابن عطية.
٢ - اختيارات السمين الحلبي في كتاب الدر المصون: دراسة وتقويمًا، للباحث: محمد عبد الصمد، وهي رسالة قدمت لنيل درجة الماجستير في قسم النحو بكلية اللغة العربية في جامعة الإمام محمد بن سعود، ونوقشت عام ١٤١٧ هـ.
وهي دراسة نحوية صرفية، وفيها بعض استدراكات السمين النحوية على ابن عطية.
٣ - التوجيهات النحوية للقراءات الشاذَّة في (الدر المصون) للسمين الحلبي، جمعًا ودراسةً، للباحث: إبراهيم سالم الصاعدي، وهي رسالة دكتوراه في الجامعة الإسلامية، ونوقشت عام ١٤٢٥ هـ.
1 / 6
وهذه الدراسة لها علاقة بموضوع بحثي من حيث إن بعض استدراكات السمين الحلبي على ابن عطية كانت في مجال القراءات الشاذة، إلا أنها دراسة نحوية تعتمد على قواعد النحو في الدراسة والترجيح، بخلاف دراستي التي ستكون تفسيرية، وتقوم على قواعد الترجيح المتعلقة بالقراءات والإعراب عند المفسرين.
٤ - اعتراضات السمين الحلبي النحوية للزمخشري في الدر المصون: جمعًا ودراسة وتقويما، للباحث: عبد الله الجعفري، رسالة ماجستير في النحو والصرف وفقه اللغة بكلية اللغة العربية في جامعة الإمام محمد بن سعود، ونوقشت عام ١٤١٧ هـ.
وهذه الدراسة وما سيذكر بعدها من الدراسات النحوية والتصريفية والبلاغية ليس لها علاقة بموضوع بحثي.
٥ - اعتراضات السمين الحلبي النحوية والتصريفية في كتابه (الدر المصون) على أبي البقاء العكبري في كتابه (التبيان في إعراب القرآن) للباحث: التلبدي محمد، رسالة ماجستير بكلية اللغة العربية، جامعة الإمام محمد بن سعود، ونوقشت عام ١٤٠٩ هـ.
٦ - اعتراضات السمين الحلبي في الدر المصون على أبي حيان: دراسة نحوية صرفية، للباحث: عبد الله الطريقي، وهي رسالة دكتوراه في كلية اللغة العربية بالجامعة الإسلامية، ونوقشت عام ١٤٢٠ هـ.
٧ - مسائل التصريف عند السمين الحلبي من خلال كتابيه: (الدر المصون، وعمدة الحفاظ) دراسة وتقويم، للباحث: عبد الواحد الحربي، رسالة ماجستير بكلية اللغة العربية- الجامعة الإسلامية، ونوقشت عام ١٤٢٣ هـ.
1 / 7
٨ - مسائل علم المعاني في كتاب (الدر المصون في علوم الكتاب المكنون) للسمين الحلبي، دراسةً وتقويمًا، للباحث: صالح أحمد عليوي، رسالة ماجستير بكلية اللغة العربية- جامعة الإمام محمد بن سعود، ونوقشت عام ١٤١٨ هـ.
٩ - مسائل البيان في كتاب (الدر المصون في علوم الكتاب المكنون) للسمين الحلبي، للباحث: هارون المهدي، رسالة ماجستير، بكلية اللغة العربية- جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، ونوقشت عام ١٤١٩ هـ.
* الجديد في بحثي:
بيان موقف السمين الحلبي في الدر المصون من ابن عطية، وجمع استدراكات السمين الحلبي في الدر المصون على ابن عطية في تفسيره، ودراستها دراسة مقارنة، وبيان القول الراجح في كل موضع، وذكر سبب الترجيح.
1 / 8
* خطة البحث:
قسمت البحث إلى مقدمة، وتمهيد، وثلاثة فصول، وخاتمة.
- المقدمة: وتشتمل على: أهمية الموضوع وأسباب اختياره، وأهداف البحث، وحدود البحث، والدراسات السابقة، وخطة البحث، ومنهجي فيه.
- التمهيد: وفيه ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: معنى الاستدراك وأغراضه وأنواعه، وفيه مطلبان:
المطلب الأول: معنى الاستدراك وأغراضه.
المطلب الثاني: أنواع الاستدراكات.
المبحث الثاني: التعريف بابن عطية والسمين الحلبي وكتابيهما في التفسير، وفيه مطلبان:
المطلب الأول: التعريف بابن عطية وكتابه في التفسير.
المطلب الثاني: التعريف بالسمين الحلبي وكتابه في التفسير.
المبحث الثالث: موقف السمين الحلبي في الدر المصون من تفسير ابن عطية.
الفصل الأول: استدراكات السمين الحلبي على ابن عطية في القراءات.
الفصل الثاني: استدراكاته في التفسير اللغوي وإعراب القرآن، وفيه مبحثان:
المبحث الأول: استدراكاته في التفسير اللغوي.
المبحث الثاني: استدراكاته في إعراب القرآن.
1 / 9
الفصل الثالث: استدراكاته في التفسير بالرأي.
- الخاتمة: وفيها أبرز النتائج التي توصلت إليها من خلال البحث.
- الفهارس الفنية للبحث:
فهرس الآيات القرآنية.
فهرس الأحاديث النبوية.
فهرس الأعلام.
فهرس الأشعار.
فهرس المصادر والمراجع.
فهرس الموضوعات.
* منهج البحث:
يقوم البحث على المنهج الاستقرائي المقارن، وفق ما يلي:
١ - في دراسة الاستدراكات أبدأ بذكر الآية التي ورد فيها الاستدراك، ثم أذكر قول ابن عطية، ثم استدراك السمين عليه، ثم أقوم بدراسة الاستدراك ذاكرةً أقوال العلماء في المسألة أو المسائل المتعلقة بالاستدراك، مصرحةً بأسماء أبرز العلماء الذين وافقوا وخالفوا ابن عطية والسمين، ثم أختم بما يظهر لي أنه الراجح مع بيان سبب الترجيح، وأحكم على الاستدراك.
٢ - قسمت الاستدراكات حسب موضوعها، ورتبت الاستدراكات في كل موضوع حسب ترتيب السور والآيات في المصحف.
٣ - كتابة الآيات القرآنية بالرسم العثماني، مع عزوها إلى سورها وذكر أرقامها.
1 / 10
٤ - أعزو القراءات القرآنية إلى أصحابها وأخرجها من مظانها المعتمدة، وأقوم بالحكم عليها وتوجيهها.
٥ - أخرج الأحاديث من كتب السنة المسندة، وذلك بذكر الجزء والصفحة، والكتاب والباب، ورقم الحديث، وأكتفي بتخريج الحديث من الصحيحين أو أحدهما إنْ وجد فيهما، وإن لم يكن في أي منهما فأخرجه من أمهات كتب السنة، وأنقل كلام أهل العلم في الحكم عليه ودرجته.
٦ - أعزو الآراء لكتب قائليها مباشرة، إلا إذا تعذر الأصل فإني أعزو إلى أوثق المصادر المعتمدة.
٧ - أوثق المعاني اللغوية من المعاجم المعتمدة بذكر المادة والجزء والصفحة.
٨ - أذكر تعريفًا بالمصطلحات من كتب العلم الذي يتبعه المصطلح أو من كتب المصطلحات المتعمدة.
٩ - أنسب الأبيات الشعرية لقائليها، وأوثقها من دواوين أصحابها إذا توفرت، وإلا فمن دواوين اللغة والأدب.
١٠ - أوضح المراد بالكلمات الغريبة، وأضبط الكلمات المشكلة بالشكل، كل ذلك من مظانه المتعمدة.
١١ - أعرف بالأعلام غير المشهورين بإيجاز، وأرجع في ذلك إلى الكتب الأصلية والمتخصصة في الترجمة، وأكتفي بمصدرين غالبًا.
١٢ - اعتني بقواعد اللغة والإملاء، وعلامات الترقيم.
١٣ - عند النقل أو الاستفادة من كتب أخرى أبيّن ذلك، فإذا كان النقل بالنص أذكر اسم الكتاب والمؤلف -إنْ لم أذكره في المتن- والجزء والصفحة، مع جعل النص بين علامتي تنصيص هكذا: " ... " خلافًا للحديث أو الأثر فإني أضعه بين قوسين هلاليين هكذا: (...).
وإن كان النقل بالمعنى أذكر اسم الكتاب مسبوقًا بكلمة: يُنظر، دون جعل النص المنقول بين علامتي تنصيص أو قوسين، وأذكر اسم المؤلف والجزء والصفحة، أما بقية معلومات المرجع فأذكرها في آخر البحث ضمن الفهارس.
1 / 11
وختامًا فما كان في هذا البحث من صواب فمن الله ﷿، وما كان فيه من خطأ فمن نفسي والشيطان.
وبعد شكر الله -تعالى- أشكر كلّ مَن أفادني، وشدَّ من أزري، وكانَ عونًا لي في مسيرتي العلمية عمومًا وفي هذه المرحلة خصوصًا.
أسأل الله - تعالى- أن ينفع بهذا العمل كاتبته وكلّ مَن يطلع عليه، وأسأله - تعالى- التوفيقَ والسداد، وصلّى الله وسلّم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
1 / 12
التمهيد
وفيه ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: معنى الاستدراك وأغراضه وأنواعه، وفيه مطلبان:
المطلب الأول: معنى الاستدراك وأغراضه.
المطلب الثاني: أنواع الاستدراكات.
المبحث الثاني: التعريف بابن عطية والسمين الحلبي وكتابيهما في التفسير، وفيه مطلبان:
المطلب الأول: التعريف بابن عطية وكتابه في التفسير.
المطلب الثاني: التعريف بالسمين الحلبي وكتابه في التفسير.
المبحث الثالث: موقف السمين الحلبي في الدر المصون من تفسير ابن عطية.
1 / 13
المبحث الأول
معنى الاستدراك وأغراضه وأنواعه
المطلب الأول: معنى الاستدراك وأغراضه
أولًا: معنى الاستدراك:
الاستدراك لغةً:
الاستدراك: اسْتِفْعَالٌ مِنْ (دَرَكَ) يفيد معنى الطلب واللحاق (^١)، قال ابن فارس (^٢): "الدال وَالراء وَالكاف أصلٌ واحدٌ، وهو لُحوقُ الشيءِ بالشيءِ ووصولُه إليه"اهـ (^٣)، يقال: ...
_________
(^١) ينظر: الأصول في النحو، لابن السراج (٣: ١٢٧)، الخصائص، لابن جني (٢: ١٥٥)، المفصل، للزمخشري (١: ٣٧٤)، لسان العرب، لابن منظور، مادة: دَرَكَ (١٠: ٤١٩)، شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك (٤: ٢٦٤)، المزهر في علوم اللغة وأنواعها، للسيوطي (١: ٤١).
(^٢) أحمد بن فارس بن زكريا، أبو الحسين، من كبار أئمة اللغة، من أبرز مصنفاته: الصاحبي في فقه اللغة، ومقاييس اللغة، كان على مذهب أهل السنة والجماعة، توفي بالري سنة ٣٩٥ هـ. ينظر: نزهة الألباء، للأنباري (ص: ٢٣٥)، معجم الأدباء، لياقوت الحموي (١: ٤١٠)، إنباه الرواة، للقفطي (١: ١٢٧).
(^٣) مقاييس اللغة، مادة: دَرَكَ، (٢: ٢٦٩).
1 / 14
" أدركتُ الرجلَ إدراكًا: إذا لحقته" (^١)، وتَدَاركَ القومُ: لَحِق آخرُهم أولَهم (^٢)، و(استدركَ) ما فات و(تدارَكَه) بمعنىً (^٣).
قال الزمخشري (^٤): "وتدارك خطأ الرأي بالصواب واستدركه، واستدرك عليه قوله"اهـ (^٥)، وقال الزبيدي (^٦): "استدركَ عليه قولَه: أصلح خطأه، ومنه المستدرك على الصحيحين"اهـ (^٧)، وفي المعجم الوسيط: استدرك عليه القول: أصلح خطأه أو أكمل نَقصه أو أزال عنهُ لبسًا (^٨).
فيظهر مما ذُكر أن الاستدراك في اللغة له استعمالان:
الأول: أن يستدرك الشَّيءَ بالشَّيءِ، إذا حاولَ اللَّحَاقَ به.
_________
(^١) جمهرة اللغة، لابن دريد، مادة: دَرَكَ، (٢: ٦٣٦).
(^٢) ينظر: لسان العرب، لابن منظور، مادة (دَرَكَ)، (١٠: ٤١٩)، القاموس المحيط، للفيروزأبادي، مادة (دَرَك)، (١: ٩٣٨).
(^٣) ينظر: الصحاح: تاج اللغة وصحاح العربية، للجوهري، مادة: دَرَكَ، (٤: ١٥٨٢).
(^٤) محمود بن عمر الزمخشري، أبو القاسم، جار الله، إمام في اللغة والنحو والأدب، كان معتزليًا، وله في التفسير: الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل، توفي بخوارزم سنة ٥٣٨ هـ. ينظر: نزهة الألباء، للأنباري (ص: ٢٩٠)، معجم الأدباء، لياقوت الحموي (١٩: ١٢٦)، إنباه الرواة، للقفطي (٣: ٢٦٥)، طبقات المفسرين، للسيوطي (ص: ١٢٠).
(^٥) أساس البلاغة، مادة: دَرَكَ، (١: ٢٨٥).
(^٦) محمد بن محمد الحسيني الزَّبيدي، أبو الفيض، الملقب بمرتضى، علامة باللغة والأنساب، من أبرز كتبه: تاج العروس في شرح القاموس، وإتحاف السادة المتقين في شرح إحياء علوم الدين، توفي بالطاعون في مصر سنة ١٢٠٥ هـ. ينظر: الأعلام للزركلي (٧: ٧٠)، حلية البشر في تاريخ القرن الثالث عشر، لعبدالرزاق الميداني (١: ١٤٩٢)، طبقات النسابين، لبكر أبو زيد (١: ١٨١).
(^٧) تاج العروس، مادة: دَرَكَ (٢٧: ١٤٤).
(^٨) ينظر: المعجم الوسيط، إعداد: مجمع اللغة العربية، (استدرك)، (١: ٢٨١).
1 / 15
والثاني: في مثلِ قولهم: استدركَ الرأي والأمر، إذا تلافى مَا فَرَّطَ فيه مِنَ الخطأِ أو النقص (^١).
الاستدراك اصطلاحًا:
الاستدراك في اصطلاح النحويين: رفع توهُّمٍ نشأ من كلام سابق (^٢).
وفي اصطلاح الفقهاء (^٣): إصلاحُ ما حصل في القول أو العمل من خللٍ أو قُصورٍ أو فَوات (^٤).
والمراد بالاستدراك في هذا البحث: التصويب والإكمال والتوضيح، وذلك من خلال إتباعُ القول الأول بقول ثانٍ؛ يصلحُ خطأه، أو يكمل نقصه، أو يزيلُ عنه لَبْسًا (^٥).
وهذا المعنى هو الذي أراده العلماء الذين صنفوا في مجال الاستدراكات في شتى العلوم.
_________
(^١) ينظر: الموسوعة الفقهية الكويتية (٣: ٢٦٩).
(^٢) ينظر: الجنى الداني في حروف المعاني، لبدر الدين المرادي (ص: ٦١٥)، التعريفات، للجرجاني (١: ٢١)، التوقيف على مهمات التعاريف، للمناوي (١: ٤٨)، الكليات، للكفوي (١: ١١٥).
(^٣) وذلك عن طريق التتبع والاستقراء؛ فالفقهاء قد استخدموا هذا المصطلح في ثنايا كتبهم، ومن الاستدراك عندهم: استدراك نقص لصلاة بسجود السهو، واستدراك الصَّلاةِ إذا بطلت بإعادتها، واستدراك الصلاة المنسية بقضائها. وللاطلاع على بعض المواضع التي استخدموا فيها هذا المصطلح؛ ينظر: البرهان في أصول الفقه، لأبي المعالي الجويني (١: ٨٩)، الفروق، للكرابيسي (١: ٩٥)، نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج، للرملي (٢: ٤٣١).
(^٤) ينظر: الموسوعة الفقهية الكويتية (٣: ٢٦٩).
(^٥) ينظر: استدراكات السلف في التفسير في القرون الثلاثة الأولى، لنايف الزهراني (ص: ١٦).
1 / 16
ومن أمثلة ذلك:
في التفسير: جزء فيه استدراك أم المؤمنين عائشة ﵂ على الصحابة (^١)، لأبي منصور الشِّيْحِي البغدادي (^٢)، والاستدراك هنا بمعنى التصويب.
وقد قام بدر الدين الزركشيّ (^٣) بنقل هذه الاستدراكات، وزاد عليها ورتبها في مصنف مستقل، سمّاه: الإجابة لإيراد ما استدركته عائشة على الصحابة (^٤).
في الحديث: المستدرك على الصحيحين (^٥)، للحاكم (^٦)، والاستدراك هنا بمعنى الإضافة والإكمال.
_________
(^١) ينظر: الأنساب، للسمعاني (٣: ٤٨٧)، فهرسة ابن خير الإشبيلي (١: ١٤٦).
(^٢) عبد المحسن بن محمد الشِّيحي البغدادي، أبو منصور، المحدث الفقيه، المعروف بابن شُهْدَانْكَه، كتب وحصل الأصول، وكتب بخطه أكثر مسموعاته، توفي سنة ٤٨٩ هـ. ينظر: الأنساب، للسمعاني (٣: ٤٨٧)، العبر في خبر من غبر، للذهبي (٣: ٣٢٦)، سير أعلام النبلاء للذهبي أيضًا (١٩: ١٥٢)، الوافي بالوفيات، للصفدي (١٩: ٩٦).
(^٣) محمد بن بَهَادِر الزَّرْكَشِيّ، بدر الدين، أبو عبد الله، الفقيه الشافعي، من علماء الحديث والتفسير، وقد برز في علم أصول الفقه، من مصنفاته: (البحر المحيط) في أصول الفقه و(البرهان في علوم القرآن)، توفي سنة ٧٩٤ هـ. ينظر: طبقات الشافعية، لابن قاضى شهبة (٣: ١٦٧)، الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة، لابن حجر (٥: ١٣٣)، طبقات المفسرين، للأدنه وي (ص: ٣٠٢).
(^٤) ينظر: الجواهر والدرر، للسخاوي (ص: ٣٩٢)، كشف الظنون، لحاجي خليفة (٢: ١٣٨٤).
(^٥) ينظر: كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون، لحاجي خليفة (٢: ١٦٧٢).
(^٦) محمد بن عبد الله الضّبّي الطّهماني النيسابوري، أبو عبد الله الحاكم، الحافظ الكبير، قال عنه الذهبي: شيخ المحدثين، صاحب التصانيف. من أشهر مصنفاته: (المستدرك على الصحيحين)، توفي سنة ٤٠٥ هـ. ينظر: طبقات الفقهاء الشافعية، لابن الصلاح (١: ١٩٨)، طبقات الشافعية الكبرى، للسبكي (٤: ١٥٥)، الوافي بالوفيات، للصفدي (٣: ٢٥٩)، سير أعلام النبلاء، للذهبي (١٧: ١٦٣)، شذرات الذهب، لابن العماد الحنبلي (٣: ١٧٦).
1 / 17
في الفقه: المستدرك في فروع الشافعية (^١) لإسماعيل بن محمد البُوشَنْجِي الشافعي (^٢)، والاستدراك هنا بمعنى التنقيح والإضافة.
في اللغة: الاستدراك على الخليل في المهمل والمستعمل (^٣) لأبي تراب اللغوي (^٤)، والاستدراك هنا بمعنى التصويب والإضافة والتهذيب.
ثانيًا: أغراض الاستدراك:
يمكن حصر أغراض الاستدراكات في التفسير في غرضين رئيسين:
_________
(^١) ينظر: الأنساب، للسمعاني (١: ٤١٣)، كشف الظنون، لحاجي خليفة (٢: ١٦٧٣)، هدية العارفين، لإسماعيل البغدادي (٥: ٢١١)، وقد نقل النووي عن البوشنجي كثيرًا في روضة الطالبين؛ ينظر على سبيل المثال: (٧: ٣٧٨)، (٨: ٢٢)، (٨: ٣٧).
(^٢) إسماعيل بن عبدالواحد البُوشَنْجِيّ الهروي، أبو سعيد، من فقهاء الشافعية، صنف كتاب الجهر بالبسملة، والمستدرك في فروع الشافعية، توفي سنة ٥٣٦ هـ. ينظر: طبقات الفقهاء، لأبي إسحاق الشيرازي (١: ٢٥٣)، الأنساب، للسمعاني (١: ٤١٣)، هدية العارفين، لإسماعيل البغدادي (١: ٢١١).
(^٣) ينظر: تهذيب اللغة للأزهري (١: ٢٩)، الفهرست، لابن النديم (١: ١١٢)، إنباه الرواة على أنباه النحاة، للقفطي (٤: ١٠٢)، وقد نقل الأزهري عن أبي تراب كثيرًا في ثنايا كتابه "تهذيب اللغة"، ومن المواضع التي نقل عنه فيها: (١: ٩٤)، (١: ١١٨)، (١: ١٣٤)، (٥: ١٣٣)، (٨: ٤٠).
(^٤) محمد بن الفرج بن الوليد الشعراني، أبو تراب، اللغوي، تحدث عنه الأزهري في مقدمة كتابه تهذيب اللغة، وصنّف كتاب الاعتقاب، ولم تذكر المصادر القليلة الّتي ترجمت لأبي تراب تاريخ وفاته، ويرجح أنّ وفاته كانت بين سنتي ٢٧٠ و٢٨٠ هـ؛ بناء على ما ذكر الأزهري من أنه لم يدرك الطبقة التي فيها أبو تراب، والأزهري ولد سنة ٢٨٢ هـ. ينظر: تهذيب اللغة، للأزهري (١: ٢٩)، والوافي بالوفيات، للصفدي (٤: ٢٢٦)، وبغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة، للسيوطي (١: ٢٠٩).
1 / 18
الأول: رد قول المستدرَك عليه وإبطاله، وإصلاح خطئه، مع بيان وجه نقده أحيانًا.
والثاني: تكميل نقص في قول المستدرَك عليه، وإزالة لبسه، وتوجيه السامع إلى معنى أولى منه لوجه من وجوه الترجيح التي تُذكر أحيانًا (^١).
وقد يقع الاتفاق على القول والاختلاف في الدليل أو التعليل.
كأن يقول المستدرِك: وقوله -أي قول المستدرَك عليه- هو الصحيح ولكن الدليل لا يصح، أو ولكن العلة التي ذكرها ليست صحيحة، أو لا تصلح كتعليل لذلك القول، ثم يثني بذكر الدليل الصحيح أو التعليل الملائم، وهذا يدخل في ردّ الخطأ وتصحيحه، وإكماله بذكر دليله أو علته.
ومن خلال أغراض الاستدراك نستشف بعضًا من فوائد دراسة الاستدراكات، ومن أبرزها:
١ - معرفة أصح الأقوال وأولاها بالقبول في تفسير كتاب الله -تعالى-.
٢ - أن هذه الاستدراكات أبرزت قواعد الترجيح (^٢)، وساهمت في حصر وجوهها (^٣).
٣ - معرفة أسباب الخطأ في التفسير (^٤)، وإذا عُلمت تلك الأسباب اجتُنبت (^٥).
_________
(^١) ينظر: استدراكات السلف في التفسير، لنايف الزهراني (ص: ٤٢٩).
(^٢) من أبرز طرق معرفة قواعد الترجيح: تتبع استدراكات المفسرين ودراستها، ومن مصادر قواعد الترجيح: كتب التفسير التي عنيت بنقد الأقوال وتصحيحها. ينظر: قواعد الترجيح عند المفسرين، لحسين الحربي (١: ٩، ٢٩).
(^٣) ينظر: استدراكات السلف في التفسير، لنايف الزهراني (ص: ٤٣٣).
(^٤) معرفة أسباب الخطأ في التفسير ثمرة من ثمرات دراسة الاستدراكات، فإن الاستدراك سببه وقوع أحد المفسرين في خطأ، وعندما تُدرس الاستدراكات تُعرف أسباب الخطأ، وأسباب الخطأ في التفسير كثيرة، منها على سبيل المثال: عدم العلم بالسنة المفسرة للآيات، مثال ذلك: رأي ابن عباس ﵄ في عدة الحامل المتوفى عنها زوجها ومخالفة أبي هريرة وغيره له. ينظر: صحيح البخاري (٦: ١٥٥)، كتاب التفسير، باب: ﴿وَأُولاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ﴾، ح (٤٩٠٩)، وصحيح مسلم (٢: ١١٢٢)، كتاب الطلاق، باب: انقضاء عدة المتوفى عنها زوجها وغيرها بوضع الحمل، ح (١٤٨٥).
(^٥) ينظر: استدراكات السلف في التفسير، لنايف الزهراني (ص: ٤٣٩).
1 / 19
المطلب الثاني: أنواع الاستدراكات
تنوعت الاستدراكات في التفسير باعتبار موضوعها ومجالها، ويمكن إجمالها في نوعين رئيسين:
١ - استدراكات في النقل والأثر.
وهي الاستدراكات التي تدور حول ما يُنقل بالأثر، وفي قبول هذا المنقول أو عدم قبوله أو تصحيحه.
أمثلتها: الاستدراكات التي تختص بقبول قراءة قرآنية أو ردها، والاستدراكات المختصة بقبول شيء من الإسرائيليات أو ردها أو تصحيحها، والاستدراكات المتعلقة بأسباب النزول والناسخ والمنسوخ من ناحية ثبوت ذلك أو عدم ثبوته.
٢ - استدراكات في الرأي والنظر.
1 / 20