168

Al-taʿlīqāt al-ḥisān ʿalā Ṣaḥīḥ Ibn Ḥibbān

التعليقات الحسان على صحيح ابن حبان

Publisher

دار با وزير للنشر والتوزيع

Edition Number

الأولى

Publication Year

١٤٢٤ هـ - ٢٠٠٣ م

Publisher Location

جدة - المملكة العربية السعودية

Genres

ذِكْرُ خَبَرٍ أَوْهَمَ عَالَمًا مِنَ النَّاسِ أَنَّهُ مُضَادُّ لِخَبَرِ مَالِكِ بْنِ صَعْصَعَةَ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ
٤٩ - أَخْبَرَنَا أَبُو خَلِيفَةَ حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ:
(مَرَرْتُ لَيْلَةَ أُسري بِي عَلَى مُوسَى ﵇ يُصَلِّي فِي قَبْرِهِ)
= [٢: ٣]
[تعليق الشيخ الألباني]
صحيح - «الصحيحة» (٢٦٢٧): م.
ذِكْرُ الْمَوْضِعِ الَّذِي فِيهِ رَأَى الْمُصْطَفَى ﷺ مُوسَى ﷺ يُصَلِّي فِي قَبْرِهِ
٥٠ - أَخْبَرَنَا أَبُو يَعْلَى حَدَّثَنَا هُدْبَةُ وَشَيْبَانُ قَالَا حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ:
(مَرَرْتُ بِمُوسَى لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي قَبْرِهِ عند الكثيب الأحمر)
= [٢: ٣]
[تعليق الشيخ الألباني]
صحيح: م - انظر ما قبله.
⦗١٧٩⦘
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: اللَّهُ جَلَّ وَعَلَا قَادِرٌ عَلَى مَا يَشَاءُ رُبَّمَا يَعِدُ الشَّيْءَ لِوَقْتٍ مَعْلُومٍ ثُمَّ يَقْضِي كَوْنَ بَعْضِ ذَلِكَ الشَّيْءِ قَبْلَ مَجِيءِ ذَلِكَ الْوَقْتِ كَوَعْدِهِ إِحْيَاءَ الْمَوْتَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَجَعْلِهِ مَحْدُودًا ثُمَّ قَضَى كَوْنَ مِثْلِهِ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ مِثْلَ مَنْ ذَكَرَهُ اللَّهُ وَجَعَلَهُ اللَّهُ جَلَّ وَعَلَا فِي كِتَابِهِ حَيْثُ يَقُولُ: ﴿أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هذه الله بعد موتها فأماته الله مئة عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لبثت مئة عامٍ ...﴾ إلى آخر الآية [البقرة: ٢٥٩] وَكَإِحْيَاءِ اللَّهِ جَلَّ وَعَلَا لِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ بَعْضَ الْأَمْوَاتِ
فَلَمَّا صَحَّ وجودُ كَوْنِ هَذِهِ الْحَالَةِ فِي الْبَشَرِ إِذَا أَرَادَهُ اللَّهُ جَلَّ وَعَلَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَمْ يُنْكَرْ أَنَّ اللَّهَ جَلَّ وَعَلَا أَحْيَا مُوسَى فِي قَبْرِهِ حَتَّى مَرَّ عَلَيْهِ الْمُصْطَفَى ﷺ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ وَذَاكَ أَنَّ قَبْرَ مُوسَى بِمُدَّيْنِ بَيْنَ الْمَدِينَةِ وَبَيْنَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَرَآهُ ﷺ يَدْعُو فِي قَبْرِهِ - إِذِ الصَّلَاةُ دُعَاءٌ - فَلَمَّا دَخَلَ ﷺ بَيْتَ الْمَقْدِسِ وَأُسْرِيَ بِهِ أُسْرِيَ بِمُوسَى حَتَّى رَآهُ فِي السَّمَاءِ السَّادِسَةِ وَجَرَى بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ مِنَ الْكَلَامِ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُنَا لَهُ وَكَذَلِكَ رُؤْيَتُهُ سَائِرَ الْأَنْبِيَاءِ الَّذِينَ فِي خَبَرِ مَالِكِ بْنِ صَعْصَعَةَ
فَأَمَّا قَوْلُهُ ﷺ فِي خَبَرِ مَالِكِ بْنِ صَعْصَعَةَ: (بَيْنَمَا أَنَا فِي الْحَطِيمِ إِذْ أَتَانِي آتٍ فَشَقَّ مَا بَيْنَ هَذِهِ إِلَى هَذِهِ) فَكَانَ ذَلِكَ لَهُ فَضِيلَةٌ فُضِّل بِهَا عَلَى غَيْرِهِ وَأَنَّهُ مِنْ مُعْجِزَاتِ النُّبُوَّةِ إِذِ الْبَشَرُ إِذَا شُقَّ عَنْ مَوْضِعِ الْقَلْبِ مِنْهُمْ ثُمَّ اسْتُخْرِجَ قُلُوبُهُمْ مَاتُوا
وَقَوْلُهُ: (ثُمَّ حُشِيَ) يُرِيدُ: أَنَّ اللَّهَ جَلَّ وَعَلَا حَشَا قَلْبَهُ الْيَقِينَ وَالْمَعْرِفَةَ الَّذِي كَانَ اسْتِقْرَارُهُ فِي طَسْتِ الذَّهَبِ فنُقِلَ إِلَى قَلْبِهِ.
ثُمَّ أُتِيَ بِدَابَّةٍ يُقَالُ لَهَا: الْبُرَاقُ فحُمِلَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَطِيمِ أَوِ الْحِجْرِ وَهُمَا جَمِيعًا فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَانْطَلَقَ بِهِ جِبْرِيلُ حَتَّى أَتَى بِهِ عَلَى قَبْرِ مُوسَى عَلَى حَسَبِ مَا ⦗١٨٠⦘ وَصَفْنَاهُ ثُمَّ دَخَلَ مَسْجِدَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَخَرَقَ جِبْرِيلُ الصَّخْرَةَ بِإِصْبَعِهِ وَشَدَّ بِهَا الْبُرَاقَ ثُمَّ صَعِدَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ.
ذِكْرُ شَدِّ الْبُرَاقِ بِالصَّخْرَةِ فِي خَبَرِ بُرَيْدَةَ (١)،وَرُؤْيَتِهِ مُوسَى ﷺ يُصَلِّي فِي قَبْرِهِ ليسا جميعًا في خبر مالك ابن صَعْصَعَةَ.
فَلَمَّا صَعِدَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا اسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ قِيلَ مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ: قِيلَ وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ ﷺ قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ يُرِيدُ بِهِ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ ليُسرى بِهِ إِلَى السَّمَاءِ لَا أَنَّهُمْ لَمْ يَعْلَمُوا بِرِسَالَتِهِ إِلَى ذَلِكَ الْوَقْتِ لِأَنَّ الْإِسْرَاءَ كَانَ بَعْدَ نُزُولِ الْوَحْيِ بِسَبْعِ سِنِينَ فَلَمَّا فُتِحَ لَهُ فَرَأَى آدَمَ عَلَى حَسَبِ مَا وَصَفْنَا قَبْلُ
وَكَذَلِكَ رُؤْيَتُهُ فِي السَّمَاءِ الثَّانِيَةِ يَحْيَى بْنَ زَكَرِيَّا وَعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ وَفِي السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ يُوسُفَ بْنَ يَعْقُوبَ وَفِي السَّمَاءِ الرَّابِعَةِ إِدْرِيسَ ثُمَّ فِي السَّمَاءِ الْخَامِسَةِ هَارُونَ ثُمَّ فِي السَّمَاءِ السَّادِسَةِ مُوسَى ثُمَّ فِي السَّمَاءِ السَّابِعَةِ إِبْرَاهِيمَ إِذْ جَائِزٌ أَنَّ اللَّهَ جَلَّ وَعَلَا أَحْيَاهُمْ لِأَنْ يَرَاهُمُ الْمُصْطَفَى ﷺ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ فَيَكُونُ ذَلِكَ آيَةً مُعْجِزَةً يُسْتدَلُ بِهَا عَلَى نُبُوَّتِهِ عَلَى حَسَبِ مَا أَصَّلْنَا قَبْلُ.
ثُمَّ رُفع لَهُ سِدْرَةُ الْمُنْتَهَى فَرَآهَا عَلَى الْحَالَةِ الَّتِي وَصَفَ.
ثُمَّ فُرِضَ عَلَيْهِ خَمْسُونَ صَلَاةً وَهَذَا أَمْرُ ابْتِلَاءٍ أَرَادَ اللَّهُ جَلَّ وَعَلَا ابْتِلَاءَ صَفِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ حَيْثُ فَرَضَ عَلَيْهِ خَمْسِينَ صَلَاةً إِذْ كَانَ فِي عِلْمِ اللَّهِ السَّابِقِ أَنَّهُ لَا يَفْرِضُ عَلَى أُمَّتِهِ إِلَّا خَمْسَ صَلَوَاتٍ فَقَطْ فَأَمَرَهُ بِخَمْسِينَ صَلَاةً أَمْرَ ابْتِلَاءٍ وَهَذَا كَمَا نَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ جَلَّ وَعَلَا قَدْ يَأْمُرُ بِالْأَمْرِ يُرِيدُ أَنْ يَأْتِيَ الْمَأْمُورُ بِهِ إِلَى أَمْرِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ ⦗١٨١⦘ يُرِيدَ وُجُودَ كَوْنِهِ كَمَا أَمَرَ اللَّهُ جَلَّ وَعَلَا خليله إبراهيم بذبج ابْنِهِ أَمَرَهُ بِهَذَا الْأَمْرِ أَرَادَ بِهِ الِانْتِهَاءَ إِلَى أَمْرِهِ دُونَ وُجُودِ كَوْنِهِ فَلَمَّا أَسْلَمَا وتلَّهُ لِلْجَبِينِ فَدَاهُ بِالذِّبْحِ الْعَظِيمِ إِذْ لَوْ أَرَادَ اللَّهُ جَلَّ وَعَلَا كَوْنَ مَا أَمَرَ لَوَجَدَ ابْنَهُ مَذْبُوحًا فَكَذَلِكَ فَرَضَ الصَّلَاةَ خَمْسِينَ أراد بها الِانْتِهَاءَ إِلَى أَمْرِهِ دُونَ وُجُودِ كَوْنِهِ فَلَمَّا رَجَعَ إِلَى مُوسَى وَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ أُمِرَ بِخَمْسِينَ صَلَاةً كُلَّ يَوْمٍ أَلْهَمَ اللَّهُ مُوسَى أَنْ يسأل محمدًا ﷺ بِسُؤَالِ رَبِّهِ التَّخْفِيفَ لِأُمَّتِهِ فَجَعَلَ جَلَّ وَعَلَا قَوْلَ مُوسَى ﵇ لَهُ سَبَبًا لِبَيَانِ الْوُجُودِ لِصِحَّةِ مَا قُلْنَا: إِنَّ الْفَرْضَ مِنَ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ أَرَادَ إِتْيَانَهُ خَمْسًا لَا خَمْسِينَ فَرَجَعَ إِلَى اللَّهِ جَلَّ وَعَلَا فَسَأَلَهُ فَوَضَعَ عَنْهُ عَشْرًا وَهَذَا أَيْضًا أَمْرُ ابْتِلَاءٍ أُرِيدَ بِهِ الِانْتِهَاءُ إِلَيْهِ دُونَ وُجُودِ كَوْنِهِ ثُمَّ جَعَلَ سُؤَالَ مُوسَى ﵇ إِيَّاهُ سَبَبًا لِنَفَاذِ قَضَاءِ اللَّهِ جَلَّ وَعَلَا فِي سَابِقِ عِلْمِهِ أَنَّ الصَّلَاةَ تُفرض عَلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ خَمْسًا لَا خَمْسِينَ حَتَّى رَجَعَ فِي التَّخْفِيفِ إِلَى خَمْسِ صَلَوَاتٍ ثُمَّ أَلْهَمَ اللَّهِ جَلَّ وَعَلَا صَفِيَّهِ ﷺ حِينَئِذٍ حَتَّى قَالَ لِمُوسَى: (قَدْ سَأَلْتُ رَبِّي حَتَّى اسْتَحْيَيْتُ لَكِنِّي أَرْضَى وَأُسَلِّمُ) فَلَمَّا جَاوَزَ نَادَاهُ مُنَادٍ: أمضيتُ فَرِيضَتِي أَرَادَ بِهِ الْخَمْسَ صَلَوَاتٍ وخففتُ عَنْ عِبَادِي يُرِيدُ: عَنْ عِبَادِي مِنْ أَمْرِ الِابْتِلَاءِ الَّذِي أَمَرْتُهُمْ بِهِ مِنْ خَمْسِينَ صَلَاةٍ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا.
وَجُمْلَةُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ فِي الْإِسْرَاءِ رَآهَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِجِسْمِهِ عِيانًا دُونَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ رُؤْيَا أَوْ تَصْوِيرًا صُوِّر لَهُ إِذْ لَوْ كَانَ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ وَمَا رَأَى فِيهَا نَوْمًا دُونَ الْيَقَظَةِ لَاسْتَحَالَ ذَلِكَ لِأَنَّ الْبَشَرَ قَدْ يَرَوْنَ فِي الْمَنَامِ السَّمَاوَاتِ وَالْمَلَائِكَةَ وَالْأَنْبِيَاءَ وَالْجَنَّةَ وَالنَّارَ وَمَا أَشْبَهَ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ فَلَوْ كَانَ رُؤْيَةُ الْمُصْطَفَى ﷺ مَا وَصَفَ فِي لَيْلَةِ الْإِسْرَاءِ فِي النَّوْمِ دُونَ الْيَقَظَةِ لَكَانَتْ هَذِهِ حَالَةٌ يَسْتَوِي فِيهَا مَعَهُ الْبَشَرُ إِذْ هُمْ يَرَوْنَ فِي مَنَامَاتِهِمْ مِثْلَهَا ⦗١٨٢⦘ وَاسْتَحَالَ فَضْلُهُ وَلَمْ تَكُنْ تِلْكَ حَالَةً مُعْجِزَةً يُفَضَّلُ بِهَا عَلَى غَيْرِهِ ضِدَّ قَوْلِ مَنْ أَبْطَلَ هَذِهِ الْأَخْبَارَ وَأَنْكَرَ قُدْرَةَ اللَّهِ جَلَّ وَعَلَا وَإِمْضَاءَ حُكْمِهِ لِمَا يُحِبُّ كَمَا يُحِبُّ جَلَّ رَبُّنَا وَتَعَالَى عَنْ مِثْلِ هذا وأشباهه.

(١) حديث بريدة مضى برقم (٤٧).

1 / 178