Commentary on Sunan an-Nasa'i - Al-Rajhi
شرح سنن النسائي - الراجحي
Genres
حكم استياك الإمام بحضرة رعيته
قال المؤلف ﵀: [باب: هل يستاك الإمام بحضرة رعيته؟ أخبرنا عمرو بن علي حدثنا يحيى وهو ابن سعيد قال: حدثنا قرة بن خالد قال: حدثنا حميد بن هلال قال: حدثني أبو بردة عن أبي موسى ﵁ قال: (أقبلت إلى النبي ﷺ ومعي رجلان من الأشعريين أحدهما عن يميني والآخر عن يساري، ورسول الله ﷺ يستاك، فكلاهما سأل العمل، قلت: والذي بعثك بالحق نبيًا ما أطلعاني على ما في أنفسهما، وما شعرت أنهما يطلبان العمل، فكأني أنظر إلى سواكه تحت شفته قلصت، فقال: إنا لا أو لن نستعين على العمل من أراده، ولكن اذهب أنت فبعثه على اليمن، ثم أردفه معاذ بن جبل ﵄].
وهذا فيه بيان أن النبي ﷺ استاك بحضرة رعيته، وأن طرف السواك تحت شفته.
وفيه: أنه يستاك تحت الشفاه واللسان، وعلى اللثة وعلى الأسنان.
وهذا الحديث أخرجه مسلم في صحيحه.
وفيه: أن أبا موسى الأشعري ﵁ جاء ومعه رجلان من قومه من الأشعريين، فلما جاء إلى النبي ﷺ كلاهما طلب العمل، يعني: طلب الوظيفة.
فكل منهما قال: يا رسول الله ولني، يعني: اجعلني على عمل.
فقال النبي ﷺ: (إنا لن نستعين أو لا نستعين على العمل بأحد طلبه)، وفي اللفظ الآخر: (فإنا لا نولي هذا الأمر أحدًا طلبه أو حرص عليه) فاعتذر أبو موسى ﵁ وقال: يا رسول والله ما أطلعاني على ما في أنفسهم.
أي: ما أخبراني أنهما سيسألان العمل.
ثم ولى أبا موسى الأشعري ولم يولهما؛ لأن أبا موسى لم يطلب العمل وهما طلبا، فلم يولي من طلبه.
وفي اللفظ الآخر: (إنا لا نولي هذا الأمر أحدًا طلبه أو حرص عليه)؛ وذلك لأن الغالب أن من طلب العمل أو حرص عليه فإنه يكون متساهلًا في الغالب، وليس للعمل أهمية أو عناية عنده، فلا يبالي، وذلك بخلاف الإنسان الذي لا يطلبه أو يلزم به، فإنه في الغالب لم يمتنع ويتأخر إلا لورع في نفسه، فمن ورعه لم يطلب العمل.
فيولى هذا العمل؛ لأنه ورع، فإذا ولي العمل استعان بالله وأداه، وأما الإنسان الذي يطلب العمل فأنه يكون متساهلًا في الغالب؛ ولهذا قال النبي ﷺ: (إنا لا نولي هذا الأمر أحدًا طلبه أو حرص عليه)، فلما طلب هذان الأشعريان العمل لم يولهما النبي ﷺ، وإنما ولى أبا موسى؛ لأنه سكت ولم يطلب العمل، وقال له: اذهب أنت، وأرسله إلى اليمن، ثم أردفه بـ معاذ بن جبل، وجعل كل واحد منهما على مخلاف، وقد كان في اليمن مخلافان، كما يقال الآن: الشمال والجنوب، فأرسلهما معلمين وقاضيين ومفتيين.
وظاهر الحديث العموم، فمن طلب الإمارة فلا يؤمر؛ لأن الإمارة أشد، ويستثنى من هذا إذا كان هذا الإنسان أهلًا للعمل، ورأى أن فيه أهلية ذلك وأن غيره لا يسد مسده، أو لا يوجد أحد غيره، كما أخبر الله عن يوسف أنه قال: ﴿اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ﴾ [يوسف:٥٥]، وكما ثبت عن عثمان بن أبي العاص أنه قال: (يا رسول الله! اجعلني إمام قومي قال: أنت إمامهم، واقتد بأضعفهم) فإذا كان عند الإنسان أهلية ويرى في نفسه الكفاية فيستثنى في هذه الحالة جمعًا بين النصوص.
وأما إذا كان هذا الإنسان عنده ضعف فلا ينبغي له أن يطلبها، ولهذا قال النبي ﷺ لـ أبي ذر: (يا أبا ذر! إني أحب لك ما أحب لنفسي، وإني أراك ضعيفًا، فلا تأمرن على اثنين، ولا تولين مال يتيم).
1 / 12