Ciqd Thamin
العقد الثمين في تبيين أحكام الأئمة الهادين
Genres
وهذا كلام جدنا القاسم بن إبراهيم عليه السلام، وكان بمحل جليل في الإسلام عند المخالف والموالف من جميع الطوائف، وفيه من الآثار ما ذكره يخرجنا إلى الإسهاب، من ذلك ما رواه القاضي العالم ابن عمار(1)، قال: أخبرني فقيه آل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في عصرنا الحسين بن حمزة(2)، قال: أخبرني أبي النفس الزكية والشيبة المرضية حمزة بن أبي هاشم(3) الإمام الرضى، يرفعه عن آبائه إلى شيخ من شيوخ آل الحسن، كان يدرس عنده فتيان آل الحسن، وكانوا إذا جاءوا قام في وجوههم، عظمهم فاقسموا عليه لا فعل، وكان القاسم عليه السلام من شباب ذلك العصر، فكان إذا أتى قام في وجهه وعظمه، فقالوا: أيها السيد، إنا قد عذرناك، وهذا الفتى لك أعذر، قال: لو تعلمون من حق هذا ما أعلم لاستصغرتم ما أصنع في حقه، قالوا: وما تعلم، قال هذا الفتى قال فيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((يخرج من [ولدي](1) رجل مسروق الرباعيتين لو كان بعدي نبي لكان هو))، فقد روى عليه السلام في تصانيفه قال: وجدت مصحف علي بن أبي طالب عليه السلام عند عجوز من عجائزنا فوجدته أجزاء، في أحدها وكتب علي بن أبي طالب، وفي آخر وكتب المقداد [بن الأسود](2)، وفي الآخر وكتب عمار، قال: فعلمت أنهم [قد](3) اعتونوا عليها، قال فعارضت به مصاحفنا فوجدته هذا المصحف الذي في أيدي الناس بغير زيادة ولا نقصان، إلا أن قوله تعالى {فاقتلوا المشركين}[التوبة:5]، (قتلوا المشركين) لاغير ذلك، ولأن ذلك لو جاز لجاز أن يكون علينا تعبدات كثيرة لا نعلم بها لأنها مما كتم وغير، وزيادة على معلوم الصلوات الخمس وفرض صيام شهر آخر والحج إلى بيت ثان [وغير](4) ذلك، وهذا بلا إشكال إنسلاخ عن الإسلام بالجملة، ولا شك في أن هذا الإيراد من دسيس الملحدة أقماهم الله عزوجل أرادوا به كيد الإسلام، فادركوا لعمر الله مرادهم بانخداع من انخدع لهم في ذلك، لأن لهم أن يقولوا ما أنكرتم أن يكون القرآن قد عورض بمثله ولكن كتم لقوة الإسلام وظهور أمره وتوفر دواعي أهله على حماية شرحه، ومثل هذا لا يوجد في كتمان شيء من القرآن، لأن عيون المسلمين هم أهل البيت عليهم السلام، هم أهل القرآن والمقرونون به، فلو أراد الناس كتمانه لبينوه، ولو قيل: على بعد ذلك قهرهم الناس، لقيل: إنهم لا يقدرون على قهرهم على حفظه في السر وإلقائه إلى أوليائهم سرا حتى [يشتهر](5) ويستفيض بحيث لا يمكن كتمانه، لأنا نعلم ظهور الإسلام وقوته، وشدة عصبية أهله، والكتب المصنفة بالطعن على الإسلام، وتقوية الكفر والإلحاد لا ينحصر عددها، فما تمكن المسلمون [من](1) المنع من ذلك، ولأن كتب الأغاني فيها من القدح على بني العباس ما لا يجهله من علم ذلك وتحقيق أحوالهم في الشرب والغناء والملاهي والدار دارهم، والسلطان سلطانهم، وصنفت في بحبوحة [كلمتهم](2) خمسون كتابا ما أمكنهم المنع منها، فكيف لا يمكن إظهار ما كتم من القرآن الكريم لولا ضلال العقول وذهاب الأفكار، وقد ذكر طعن الملحدين على القرآن الكريم [ومعارضته](3) ككلام ابن الراوندي وغيره وتصنيفهم في نقض القرآن ومعارضته فلم تمنع هيبة الإسلام وأهله وكونهم على اختلاف المذاهب يدا واحدة على أعدائه، [فكيف](4) يتصور منع بعضهم [عن](5) إظهار بعضه ما هذا إلا ضلال في العقول وسفه في الأحلام.
Page 156