92

Al-ʿInāya sharḥ al-Hidāya

العناية شرح الهداية

Publisher

شركة مكتبة ومطبعة مصفى البابي الحلبي وأولاده بمصر وصَوّرتها دار الفكر

Edition Number

الأولى

Publication Year

1389 AH

Publisher Location

لبنان

قَالَ (وَشَعْرُ الْمَيْتَةِ وَعَظْمُهَا طَاهِرٌ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ ﵀: نَجِسٌ لِأَنَّهُ مِنْ أَجْزَاءِ الْمَيْتَةِ، وَلَنَا أَنَّهُ لَا حَيَاةَ فِيهِمَا وَلِهَذَا لَا يَتَأَلَّمُ بِقَطْعِهِمَا فَلَا يَحُلُّهُمَا الْمَوْتُ، إذْ الْمَوْتُ زَوَالُ الْحَيَاةِ.
ــ
[العناية]
إلَّا بِالسِّكِّينِ، وَمَا قِيلَ مِنْ الْجِلْدَةِ الرَّقِيقَةِ مُتَوَهَّمٌ، وَعَلَى تَقْدِيرِ تَحَقُّقِهِ فَإِمَّا أَنْ تَكُونَ طَاهِرَةً أَوْ نَجِسَةً، وَلَا يُحَسُّ عِنْدَ السَّلْخِ بَيْنَ الْجِلْدِ وَاللَّحْمِ أَمْرٌ ثَالِثٌ لَا مَحَالَةَ، فَهِيَ إمَّا مُتَّصِلَةٌ بِاللَّحْمِ أَوْ الْجِلْدِ، فَإِنْ كَانَتْ مُتَّصِلَةً بِاللَّحْمِ فَلَيْسَ يُتَصَوَّرُ أَنْ تَكُونَ طَاهِرَةً، وَاللَّحْمُ نَجِسٌ فَتَكُونُ نَجِسَةً، وَالْجِلْدُ الْغَلِيظُ مُتَّصِلٌ بِهِ أَيْضًا فَلَا يَكُونُ طَاهِرًا لَكِنَّ الْفَرْضَ أَنَّهُ طَاهِرٌ، وَإِنْ كَانَتْ مُتَّصِلَةً بِالْجِلْدِ فَلَيْسَ يُتَصَوَّرُ أَنْ تَكُونَ نَجِسَةً وَالْجِلْدُ طَاهِرٌ فَتَكُونُ طَاهِرَةً، وَاللَّحْمُ مُتَّصِلٌ بِهِ أَيْضًا فَكَيْفَ تَكُونُ نَجِسًا، وَذَلِكَ وَاضِحٌ لَا يَخْفَى عَلَى الْمُتَأَمِّلِ، فَهَذَا هُوَ الَّذِي حَمَلَ الْمُصَنِّفَ عَلَى تَصْحِيحِ رِوَايَةِ طَهَارَةِ اللَّحْمِ.
وَالْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِمْ إنَّ الْحُرْمَةَ فِيمَا يَصْلُحُ لِلْأَكْلِ لَا لِلْكَرَامَةِ دَلِيلُ النَّجَاسَةِ أَنَّهُ مُسَلَّمٌ، وَلَكِنَّ عِلَّةَ النَّجَاسَةِ هُوَ اخْتِلَاطُ الدَّمِ الْمَسْفُوحِ بِأَجْزَائِهِ عِنْدَ الْمَوْتِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَهِيَ عِلَّةٌ مُتَعَيِّنَةٌ قَدْ انْتَفَتْ هَاهُنَا بِالذَّبْحِ فَتَنْتَفِي النَّجَاسَةُ كَمَا قُلْنَا فِي وَلَدِ الْمَغْصُوبِ.
وَقَوْلُهُ: (وَشَعْرُ الْمَيْتَةِ وَعَظْمُهَا) وَعَصَبُهَا (طَاهِرٌ) ذَكَرَهُ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ إذَا وَقَعَ فِي الْمَاءِ هَلْ يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ أَوْ لَا؟ عِنْدَنَا يَجُوزُ بِهِ الْوُضُوءُ لِكَوْنِهَا طَاهِرَةً.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ نَجِسٌ (؛ لِأَنَّهُ) أَيْ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا (مِنْ أَجْزَاءِ الْمَيِّتِ) وَالْمَيِّتُ نَجِسٌ بِجَمِيعِ أَجْزَائِهِ. قُلْنَا: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ كُلَّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الْمَيِّتِ نَجِسٌ، بَلْ النَّجِسُ مِنْهُ مَا كَانَ فِيهِ حَيَاةٌ زَالَتْ بِالْمَوْتِ وَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ لَا حَيَاةَ فِيهَا حَتَّى لَا يَتَأَلَّمَ بِقَطْعِهَا الْحَيَوَانُ، فَإِنَّ قَطْعَ قَرْنِ الْبَقَرَةِ لَا يُؤْلِمُهَا وَجَزُّ صُوفِ الْغَنَمِ كَذَلِكَ فَلَا يُحِلُّهَا الْمَوْتُ إذْ الْمَوْتُ زَوَالُ الْحَيَاةِ، وَهَذَا يُشِيرُ إلَى أَنَّ بَيْنَ الْحَيَاةِ وَالْمَوْتِ تَقَابُلُ الْعَدَمِ وَالْمَلَكَةِ. وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَكَلِّمِينَ: هُمَا صِفَتَانِ وُجُودِيَّتَانِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ﴾ [الملك: ٢]

1 / 96