كان الشيخ ملتزما على أرض في قريته إبيار. يدفع ما يتقرر عليها من مال، ويحصل من استغلالها على ما يشاء.
تبعته إلى مجلس العقد حيث خلع فروته وحذاءه وهو يزفر مستاء، قال: إن بونابرته أحضر شالا بألوان الراية الفرنساوية، ووضعه على كتف الشيخ الشرقاوي؛ فتغير مزاجه وامتقع لونه واحتد طبعه، ورمى به إلى الأرض. ثم قرأ المعلم التركي نقولا قصيدة باللغة العربية يشيد بها بالقائد الفرنساوي. سكت ثم ردد بلهجة متهكمة بيتا منها:
الشهم بونابرته
أسد الوغى ذو الاقتدار
قهر الممالك كلها
وقضى المراد بما أشار
أضاف: عند انصرافنا صادفنا الشيخ السادات في طريقه لمقابلة بونابرته. لا أظنه سيرفض وضع الشال الفرنساوي.
استأذنت من الجبرتي بعد القيلولة، وذهبت إلى مقهى فتحي - أحد صنائع الفرنساوية قرب المشهد الحسني. كان مزودا بموائد وكراسي خشبية بدلا من المصاطب أو المقاعد الحجرية. ويجتمع فيه الناس للسمر والحديث واللعب ويحضر معهم فرنساوية.
انضم إلي حنا ثم عبد الظاهر. قال حنا إن الفرنساوية احتلوا بني سويف. كان يبدو حزينا كسيف البال. سأله عبد الظاهر ساخرا عن أخبار زينب، قال: إن البنت فجرت؛ فهي تخرج الآن كل يوم دون أن تغطي وجهها. سكت ثم قال: تلصصت عليها مرة في حجرتها. كانت سافرة بلا برقع، واليلك مفتوح من أمام يظهر منه قميصها، ورأسها تحت طاقية تدور بها مسبحة من اللؤلؤ، وتتدلى منها ضفاير من الحرير تزيد من طول خصلات الشعر. كانت ممسكة بمرآة تزيل بالموسى كثافة حاجبيها وتجعلهما خطين رفيعين فوق الجفن. ثم اكتشفت أنها تتكلم مع أبيها. ورأيتها تمد نحوه قدمها ذات الخلاخيل فإذا به يركع ويقبلها، ودفعته بقدمها فوقع على الأرض.
تطلعنا إليه في دهشة. قال إنه لا يستغرب هذا؛ فالرجل معروف بمجونه. كل ليلة يشرب خمر البرجندي الممزوج بالبراندي، ولا يرحم البنات والصبيان.
Unknown page