وهجم الفرنساوية على مصر من كل ناحية، ولم يبالوا بالأمطار وعملوا فتائل مغمسة بالزيت والقطران. وكان معظم كبستهم من ناحية باب الحديد، وكوم أبي الريش، وجهة بركة الرطلي، وقنطرة الحاجب، وجهة الحسينية والرميلة، فكانوا يرمون المدافع والبنبات من قلعة جامع الظاهر، وقلعة قنطرة الليمون، ويهجمون أيضا وأمامهم المدافع وطائفة خلفهم يرمون بالبندق المتتابع، وطائفة بأيديهم الفتائل المشتعلة بالنيران يلهبون بها السقائف وأبواب الحوانيت وشبابيك الدور.
الجمعة 18 أبريل
هجم الفرنساوية اليوم على بولاق من ناحية البحر ومن ناحية بوابة أبي العلا. وقاتل أهل بولاق جهدهم، ورموا بأنفسهم في النيران حتى غلب الفرنسيس عليهم وحصروهم من كل جهة، وقتلوا منهم بالحرق والقتل، وسلكوا بولاق، وفعلوا بأهلها ما يشيب من هوله النواصي، وصارت القتلى مطروحة في الطرقات والأزقة، واحترقت الأبنية والدور والقصور، وهرب كثير من الناس عندما أيقنوا بالغلبة.
ثم أحاطوا بالبلد، ومنعوا من يخرج منها، واستولوا على الخانات والوكائل والحواصل والودائع والبضائع، وملكوا الدور وما بها من الأمتعة والأموال والنساء والخوندات والصبيان والبنات، ومخازن الغلال والسكر، والكتان والقطن والأرز والأدهان والأصناف العطرية، والذي وجدوه منعكفا في داره ولم يقاتل ولم يجدوا عنده سلاحا، نهبوا متاعه وعروه من ثيابه، ومضوا وتركوه حيا.
السبت 19 أبريل
اختفى البشتيلي فدلوا عليه وقبضوا عليه؛ فحبسوه هو ومن معه ببيت ساري عسكر، وضيقوا عليهم حتى منعوهم البول، وفي اليوم الثالث أطلقوهم وجمعوا عصبة البشتيلي من العامة وسلموه لهم، وأمروهم أن يطوفوا به البلد ثم يقتلوه بأيديهم لدعواهم أنه هو الذي كان يحرك الفتنة ويمنع الصلح، ففعلوا ذلك وقتلوه بالنبابيت، وألزم أهل بولاق بغرامة مائتي ألف ريال.
الثلاثاء 22 أبريل
ضاق خناق الناس من استمرار الانزعاج والحريق والسهر، وعدم القوت حتى هلكت الناس وخصوصا الفقراء والدواب، وضاقوا أيضا بعسكر العثمانلي، وخطفهم ما يجدونه معهم حتى تمنوا زوالهم ورجوع الفرنسيس على حالتهم التي كانوا عليها.
والفرنساوية في كل يوم يزحفون إلى قدام، والمسلمون إلى وراء، فخذلوا من ناحية باب الحديد، وناحية كوم أبي الريش، وهم يحرقون بالفتائل والنيران الموقدة، وكان شاهين أغا هناك عند المتاريس فأصابته جراح فقام من مكانه، ورجع القهقرى، فعند رجوعه رجع الناس يدوسون بعضهم البعض، ووقعت الهزيمة، وملك الفرنساوية كوم أبي الريش.
وأثناء ذلك كان البرديسي ومصطفى كاشف والأشقر يسعون في أمر الصلح إلى أن تمموه على كف الحرب، وأن الفرنساوية يمهلون العثمانية والأمراء ثلاثة أيام حتى يقضوا أشغالهم ، ويذهبون حيث أتوا، وجعلوا الخليج حدا بين الفريقين لا يتعداه أحد منهم، وأبطلوا الحرب، وأخمدوا النيران. وأخذ العثمانية والأمراء والعسكر في أهبة الرحيل وقضاء أشغالهم، وزودهم الفرنساوية وأعطوهم دراهم وجمالا وغير ذلك.
Unknown page