Cilm Adab Nafs
علم أدب النفس: أوليات الفلسفة الأدبية
Genres
Kant
هذه القاعدة قائمة بنفسها مضمونة بنفس الفعل؛ أي إن الفعل الذي لا يتمشى عليها يسقط من نفسه أو يقتل نفسه، وقد مثل على ذلك بقوله: إن الإخلاف بالوعد يعد خطأ؛ لأنه لا يمكن أن يكون قاعدة عامة، فلو جعلناه قاعدة عامة بحيث يسوغ لكل فرد أن يخلف وعده حين يشعر بميل إلى ذلك، فلا يعود أحد يثق بوعد، وحينئذ لا يعود أحد يعدا وعدا. بالطبع متى لم يبق وعود فلا يبقى إخلاف بوعد؛ ولذلك يستحيل على الشخص الأدبي أن يخلف وعده إذا كان ممن يحافظون على الأدبية الشخصية، ويريد أن يصدق الناس بوعودهم له كما هو يصدق لهم.
كذلك الامتناع عن مراعاة مصالح الغير لا يمكن أن يكون قاعدة عامة؛ لأنه إذا امتنع كل فرد عن مراعاة مصلحة غيره تتعرض مصالحه هو للخطر كما تتعرض مصالح سواه، ومتى كانت كل المصالح في خطر لا يبقى لأحد مصلحة شخصية، بل تصبح كل مصلحة فردية معلقة بالمجموع ؛ ولذلك يضطر كل فرد أن يراعي مصلحة المجموع ومصلحة غيره حرصا على سلامة مصلحته. (5-3) نقد مكنزي
وقد انتقد مكنزي نظرية كنت هذه القائلة بأن هذه القاعدة مضمونة بنفس الفعل، أي إن الفعل الذي لا يتمشى عليها يسقط، فقال: إن هذه القاعدة تحتمل التفسير على نحوين؛ الأول: أنه يمكن أن تؤخذ كقاعدة للسلوك العام المطلق، والثاني: أنه يمكن أن تؤخذ كقاعدة لكل فعل بحسب الظروف المحيطة به.
والظاهر أن كنت قصد المعنى الأول، ولكن يحتمل أنه يعني بها الأمر الثاني أيضا؛ فبحسب المعنى الأول تعد السرقة أمرا خطأ؛ لأنه لا يصح أن تعد قاعدة عامة، ولكن بحسب المعنى الثاني يجب في كل سرقة أن ينظر فيما إذا كان السارق يريد أن كل إنسان غيره يسرق متى كان في ظروف كظروفه، كجان فلجان في رواية البؤساء لفكتور هيجو، فإنه حلل لنفسه سرقة الرغيف لكي يطعم بني أخته الجياع. فبحسب التفسير الأول يعد الامتناع عن السرقة أمرا واجبا، وبحسب التفسير الثاني نرى هذا الواجب ضعيفا رخوا.
مثال آخر: تلافي المصائب العمومية أو بذل الجهود لتحسين الأحوال الاجتماعية يعد قاعدة عامة؛ لأن كل فرد أدبي يريده، فإذا كان كل فرد يبذل جهده في هذا السبيل تزول المصائب، ويتحسن حال المجتمع، وحينئذ لا تبقى حاجة لبذل الجهد هذا. فالامتناع عن بذل الجهد هذا حين لا يكون ثمة موجب له لا يعد - بحسب نظرية كنت - قاتلا لنفسه، بل بذل الجهد نفسه أفضى إلى عدم ضرورته، وإنما إهمال هذا الجهد عند لزومه يقتل نفسه؛ لأن كل فرد يشعر أن إهماله جعل حال المجتمع سيئة؛ فيعدل عن الإهمال. (5-4) ملاحظاتنا على مكنزي
على أننا لا نرى تعليل مكنزي هذا وجيها جدا فيما تقدم؛ لأنه حيث لا مصائب ولا نقص في المجتمع فلا تتحرك إرادة الفرد الحسنة، ولكن متى كانت ثمة مصائب عمومية ونقص اجتماعي تتحرك إرادة الفرد للجهاد لأجل خير المجموع. وإهمال هذا الواجب يعرض الفرد للكارثة؛ فالإهمال إذن يقتل نفسه، وإنما أصاب مكنزي بأنه قيد القاعدة بالظروف والأحوال المحيطة بالسلوك الأدبي، وإذا كان لا بد للمرء الأدبي أن ينظر في الأحوال اضطر أن يستعين بالإحساس العام؛ لأن قولك: «نفعل ما يريد أن يفعله الآخرون تحت الظروف والأحوال التي نفعل فيها نحن.» هو كقولك: «إننا نفعل ما نستحسن فعله.» إذن نحن مضطرون أن نلجأ إلى الإحساس العام في هذا الاستحسان.
ثم إن هناك أفعالا نريد أن نفعلها ولا غبار علينا أن نفعلها، ولكن لا يصح أن تكون قاعدة عامة، مثال ذلك: أنك تريد التبتل؛ أي الامتناع عن الزواج، وتعده فضيلة. وبامتناعك عنه لا تضر المجموع، ولكن إذا جعلته قاعدة عامة يجب على كل فرد اتباعها عرضت السلالة للانقراض، كذلك الصوم أو الإسراف في العطاء للأعمال الخيرية ونحو ذلك. كل هذه تريدها ولكنك لا تستحسن أن تجعلها قاعدة عامة. وهناك أمور كثيرة تريدها ولا يصح أن تبتغي من غيرك أن يريدها، وهي بحد ذاتها ليست خطأ. (5-5) القاعدة الصحيحة
فالقاعدة صحيحة على الإطلاق، باعتبار أن نأبى ما يصح إباؤه أن يكون قاعدة عامة، وأن نفعل ما نريد أن يفعله الغير، وأن لا نفعل ما نريد أن لا يفعله الغير، اللهم إذا كان لا يضر بالغير ولا بالمجموع.
فصلاحية الفعل إذن ليست قائمة بالفعل نفسه؛ بمعنى أنه إذا لم يكن صالحا يبطل تعميمه من نفسه، بل إن صلاحيته قائمة في موافقته للشخصية الاجتماعية أو عدم مناقضته لها على الأقل.
Unknown page