57

Cibarat

العبرات

Publisher

دار الهدى الوطنية للطباعة والنشر والتوزيع

Publisher Location

بيروت - لبنان

إِلَّا رِمَال اَلصَّحْرَاء وَكُثْبَان الفلوات. هَذِهِ قُصُورهمْ تُشَرِّف عَلَى اَلْأَرْض اَلْفَضَاء وَتُطِلّ مِنْ عُيُون نَوَافِذهَا كَأَنَّمَا تَتَرَقَّب أَنْ يَعُودُوا إِلَيْهَا فَيُعَمِّرُوهَا كَمَا كَانُوا فَلَا يَفْعَلُونَ. هَذِهِ قبابهم بِالْإِغْوَاءِ رَافِعَة رَأْسهَا لَيْلهَا وَنَهَارهَا إِلَى اَلسَّمَوَات اَلْعُلَا تَدْعُو اَللَّه أَنْ يُعِيد إِلَيْهَا بُنَاتهَا وَحُمَاتهَا فَلَا يُسْتَجَاب لَهَا دُعَاء. فِي هَذِهِ اَلْبَسَاتِين كَانُوا يَنْعَمُونَ وَتَحْت هَذِهِ اَلظِّلَال كَانُوا يُقِلُّونَ وَعَلَى ضِفَاف هَذِهِ اَلْأَنْهَار كَانُوا يَغْدِرُونَ وَيَرُوحُونَ وَالْيَوْم لَا غَادٍ مِنْهُمْ وَلَا رائح وَلَا سَانِح تَحْت هَذِهِ اَلسَّمَاء وَلَا بارح ثُمَّ نَظَرَ إِلَى اَلْأُفُق فَرَأَى اَلشَّمْس تَنْحَدِر إِلَى بِالْإِغْوَاءِ وَرَأَى جَيْش اَللَّيْل يَطْرُد فُلُول جَيْش اَلنَّهَار فَيُبَدِّدهَا بَيْن يَدَيْهِ تَبْدِيدًا فَتَهَافَتَ عَلَى نَفْسه وَهُوَ يَقُول: هَكَذَا تدول الدولات وَتُسْقِط اَلتِّيجَان وَهَكَذَا تَحُلّ اَلظُّلُمَات مَحَلّ اَلْأَنْوَار وَهَكَذَا تَنْشُر سُحُب اَلْمَوْت عَلَى وَجْه اَلْحَيَاة. ثُمَّ تَوَسَّدَ ذِرَاعه وَاسْتَغْرَقَ فِي نَوْمه بَيْن وَطَاء اَلْأَرْض وَغِطَاء اَلسَّمَاء فَلَمْ يستفق حَتَّى مَضَتْ دَوْلَة اَللَّيْل فَمَشَى إِلَى نَهْر جَارٍ فِي سَفْح اَلْجَبَل فَصَلَّى عِنْده صَلَاة اَلْفَجْر ثُمَّ اِنْحَدَرَ إِلَى اَلْمَدَنِيَّة يُفَتِّش عَنْ خَان يَأْوِي إِلَيْهِ فَلَمْ يَجِد فِي طَرِيقه مَنْ يُرْشِدهُ إِلَى طَلَبَته حَتَّى بَلَغَ نَهْر شنيل فَمَشَى عَلَى ضَفَّته يَتَفَقَّد اَلْبُذُور وَيَتَلَمَّس اَلْأَعْشَاب وَيَنْتَظِر يَقَظَة اَلْمَدِينَة بَعْد هجعتها. وَإِنَّهُ لكذلك إِذْ اِنْفَتَحَ بَيْن يَدَيْهِ بَاب قَصْر عَظِيم وَإِذَا فَتَاة

1 / 61