80

وهنا استبد الجنون بالعلام إلى حد اتخاذ قرار سريع: لا بد من عمل شيء، وليكن ما يكون، لإيقاف هذه المهزلة السوداء الليلة.

تحسس مقبض حسامه في وسطه متذكرا من فوره وجه خليفة الزناتي وكأنه هو بذاته المنقذ لما هو فيه من تردد وألم، ثم اندفع كالمنكفئ عائدا من حيث جاء مبتعدا عن مكمنه داهسا تحت ثقل قدميه شجيرات الزهور وورود العزيزة المختلفة الألوان والأشكال، إلى أن وصل إلى حيث حرسه وركبه المنتظر في فضول، وقد استبد به القلق الشديد.

وحين استقر به المقام داخل عربته الفاخرة المطهمة، قطع حبل الصمت قائلا بصوت خفيض لحرسه وثلة جنده: عودوا من حيث جئنا. - إلى أين؟ - إلى قصر الزناتي.

كان الخليفة الزناتي في ذلك الوقت ما زال غافيا على مقعده الوثير يعاني كابوسا طالما تكرر عليه في الآونة الأخيرة، خاصة عقب العشاء الثقيل الذي كان يخلد إلى النوم على أثره، فقد كان يرى نفسه نهبا لطائر كبير يشبه النسر الجارح الذي كان يحط على رأسه من عنان السماء، وهو يضرب بجناحيه، حيث يمضي ينقر بمنقاره ومخلبيه بؤرة عينيه بينما جثته طريحة الأرض العراء.

فكان يحاول جاهدا تحريك ذراعيه لإبعاد ذلك الطائر الوحشي، لكن دون جدوى: أبعد، أبعدوه، عيناي!

هنا قاربه كبير حجابه معلنا: الأمير العلام.

فتح عينيه في صعوبة مندهشا محتدا: العلام تاني!

هب عن عرشه مبعدا عنه كابوسه الثقيل، وتجمع من حوله أربعة حجاب مسرعين، انشقت عنهم ستائر العرش لمساعدته في خلع عباءته وبقية ملابسه الرسمية استعدادا للنوم.

إلا أن العلام كان أسرع الجميع حين اندفع إليه ملهوفا صارخا: عذرا يا سيدي! - ماذا يا علام؟

أومأ العلام لحجابه ومساعديه بالابتعاد، قائلا في صعوبة: أنت أدرى الناس يا سيدي بمدى إخلاصي لك، وأنني لا أخفي عنك خافية. - وبعد يا علام؟

Unknown page