خلاصة القول إن عزاء الفلسفة عمل يمثل ذروة من ذرى التوافق بين المسيحية والوثنية، فهو نص يحتفي بعقائد وأساطير وفلاسفة الوثنية ممجدا بطريق غير مباشر المسيحية وداعيا للتسامح والرحمة والصمود والثبات والتواضع وكافة القيم المسيحية، ولا سيما فكرة ألوهية البشر حيث تقول الفلسفة لبوئثيوس.
Ita ego quoque tibi ueluti corollarium dabo. nam quoniam beatitudinis adeptione fiunt homines beati, beatitude uero est ipsa diuinitas, diuinitatis adeptione beatos fieri manifestum est. sed uti iustitiae adeptione iusti, sapientiae sapientes fiunt, ita diuinitatem adeptos deos fieri simili ratione necesse est. omnis igitur beatus deus.
سأقدم لك لازمة ...
corollarium
بما أنه من خلال امتلاك السعادة، يصبح الناس سعداء وحيث إن السعادة في الحقيقة هي الألوهية فمن البين أنه من خلال امتلاك الألوهية يصبحون سعداء، وبالمنطق نفسه الذي يصبح به الناس عادلين بممارسة العدل، وحكماء بممارسة الحكمة فإن أولئك الذين يمتلكون الألوهية يصبحون إلهيين فكل إنسان سعيد هو إذن إله.
غني عن البيان أن بوئثيوس يعتقد إذن أن الفلسفة ليست ضد العقيدة الدينية، وإذا كنا نرى أن ابن رشد هو صاحب هذه الفكرة التي أنارت ظلام العصور الوسطى عندما انتقلت إلى أوروبا عبر «فصل المقال»، فإننا في الواقع لا بد وأن نعترف أن دور ابن رشد اقتصر على إيقاظ العقول الأوروبية النائمة، فلما نهضوا وجددوا هذه المقولة الرشدية مسبوقة فهي موجودة عند رجال الدين المسيحي الأوائل المتنورين، وعلى رأسهم بوئثيوس الذي يسبق ابن رشد بما لا يقل عن سبعة قرون.
بقيت لنا كلمة عن ترجمة هذا النص التي نقدم لها، فلقد سبق لنا أن قلنا بأن عصر التوسط للتراث الكلاسيكي بأية لغة أوروبية حديثة قد انتهى بظهور ترجمات المتخصصين، وما زلنا عند رأينا، ولكنه لا يعني القضاء المبرم على جهود المثقفين المصريين والعرب في هذا المجال، فالمثقفون هم الذين بدءوا حركة الاتصال بالتراث الكلاسيكي منذ أن ترجم رفاعة رافع الطهطاوي «وقائع الأفلاك في مغامرات تليماك» وجاء بعده سليمان البستاني فترجم إلياذة هوميروس شعرا عام 1904م، ثم جاء أحد المثقفين غير المتخصصين وهو طه حسين فأسس قسم الدراسات اليونانية والرومانية عام 1925م، ثم جاءت جهود لويس عوض ودريني خشبة وشكري عياد وغيرهم، ومن قبل سبق لي أن راجعت ترجمة ثروت عكاشة لأو؟يديوس أعني رائعتيه «مسخ الكائنات» و«فن الهوى»، وتمتعت بقراءة هذه الترجمة أيما متعة مع علمي أنها ليست عن اللاتينية مباشرة بل كانت مهمتي أن أضاهيها بالنص اللاتيني، ومثل هؤلاء المترجمين واسعي الثقافة وأصحاب الذوق الأدبي الرفيع.
والترجمة التي بين أيدينا تدخل في إطار هذه الترجمات الثقافية، ولقد تمتعت بقراءتها حقا؛ لأن المترجم يتمتع باطلاع واسع على الفلسفة وبأسلوب رائع وحس أدبي رفيع، ولما ضاهيت الترجمة بالنص اللاتيني الأصلي لم أجد نقصا جوهريا أو خروجا مخلا عن هذا الأصل، وحاولت قدر الطاقة سد أي فجوة بين الترجمة والنص الأصلي، وأتمنى أن يتمتع القارئ بالاطلاع على هذا النص الفريد. (وبالله التوفيق.)
مقدمة
لا يذهب بمصابك مثل أن تعلو فوقه
Unknown page