199

Caza Falsafa

عزاء الفلسفة

Genres

لعلك ستقول: ولكن إذا لم تكن المعرفة المسبقة تشكل ضرورة على أحداث المستقبل فإنها رغم ذلك «علامة»

sign

تدل على أن هذه الأحداث المستقبلية سوف تقع حتما، في هذه الحالة، وحتى إذا لم تكن هناك معرفة مسبقة، يكون من الواضح للجميع أن وقوع أحداث المستقبل هو أمر مقدر جبري إذ إن العلامات تدل فقط على ما تشير إليه ولكنها لا تحدثه.

علينا إذن أن نثبت أولا أن كل ما يحدث فهو يحدث بالضرورة حتى يتضح أن المعرفة المسبقة هي علامة على هذه الضرورة، وإلا فإذا لم يكن ثمة ضرورة فهيهات للمعرفة المسبقة أن تكون علامة على شيء هو غير موجود، إنه لمما لا خلاف عليه أن البراهين يجب أن تستند إلى منطق صارم لا إلى «علامات» أو إلى حجج مجلوبة من الخارج، ينبغي أن تستنبط البراهين من حجج متسقة متماسكة يأخذ بعضها بحجز بعض وتفضي الواحدة منها إلى الأخرى.

من المحال أن ما يرى مسبقا كحدث مستقبلي لا يقع في حينه، إن ذلك ليكون أشبه بأن نعتقد أن ما تراه العناية مسبقا كأحداث مستقبلية هي أحداث لن تقع، بدلا من أن نعتقد أنها رغم وقوعها فهي لم تكن بطبيعتها مقدرة جبرية، وليس من العسير عليك أن تراها على هذا النحو، فنحن نشهد كثيرا من الأشياء وهي تجري أمام أعيننا، مثل الأفعال التي نرى سائقي العربات يؤدونها لكي يتحكموا في عرباتهم ويقودوها وغير ذلك مما شابه، فهل ثمة أي ضرورة تقسر أي شيء من هذه الأشياء على أن يحدث كما يحدث؟»

ب : «بالطبع لا، فلو أنها تحدث بالضرورة لما كان هناك جدوى من الفن والمهارة والقصد.»

ف : «إذن جميع تلك الأشياء التي تحدث من دون أن يكون حدوثها بالضرورة تكون قبل وقوعها أحداثا مستقبلية وشيكة الوقوع، ولكن ليست وشيكة الوقوع «بالضرورة»، فمثلما أن معرفة الأشياء الحاضرة لا تضفي ضرورة على ما يجري (في الحاضر) فإن سبق العلم الإلهي لا يضفي ضرورة على ما سوف يحدث (في المستقبل).

ستقول ولكن هذه هي ذات النقطة التي نبحثها: وهي ما إذا كان من الممكن وجود أي معرفة مسبقة للأشياء التي لا يخضع حدوثها للضرورة، أنا لا أرى أي تناقض هنا، أما أنت فترى أن ضرورة الأحداث تترتب على كونها ترى مسبقا، فإذا لم تكن ثمة ضرورة فلا يمكن للأحداث أن تعرف مسبقا؛ لأنك تعتقد أنه لا شيء يمكن أن تشمله المعرفة ما لم يكن يقينيا، فإذا عرفت مسبقا أحداث غير يقينية الحدوث كما لو كانت يقينية لكانت هذه المعرفة مجرد ظن غائم لا معرفة حقيقية، وشتان بين الظن والمعرفة.

وسبب هذا الخطأ أن الناس تظن أن كل معرفتها تعتمد على طبيعة موضوعات المعرفة وقابليتها لأن تعرف، وهذا خطأ فادح، والنقيض هو الصحيح: فكل ما يعرف إنما يعرف وفقا للقدرة المعرفية ل «العارف» لا لطبيعة الشيء «المعروف» (المدرك)، دعني أوضح لك ذلك بمثال: فاستدارة جسم ما قد تدرك بطريق البصر وقد تدرك بطريق اللمس، أما البصر فيظل على مسافة من الجسم ويرى الكل في آن واحد بواسطة أشعة الضوء، وأما اللمس فيقترب من الجسم ويمسك بمحيطه الحقيقي ويدرك استدارته جزءا جزءا، وكذلك الإنسان نفسه يشاهد بطرق متعددة بواسطة «الإدراك الحسي»

sense perception

Unknown page