251

التكوين ، فهم قائمون بذواتهم ، باقون ببقاء بارئهم ، إما وجوههم ناضرة ، إلى ربها ناظرة ، وهم الملائكة المدبرون في هذا العالم الجسماني ، والسعداء المتوسطون من الإنس والجن ، الذين هم أهل النجاة ، من الزهاد والعباد ، الذين آمنوا وعملوا الصالحات ، لهم هناك جنات تجري من تحتها الأنهار وهم فيها خالدون. وإما وجوههم قترة عليها غبرة ، أولئك هم الكفرة الفجرة ، والشياطين المكرة.

وقسم يصدر عن نفوسنا بإذن الله بإبداعنا إياه في الحياة الدنيا وفي الآخرة ، وهو قائم بنفوسنا قيام الفعل بالفاعل ، وإنما يبقى ببقاء توجه النفس والتفاتها إليه ، واستخدامها المتخيلة في تصويره وتثبته ، فإذا أعرض عنه انعدم وزال ؛ وذلك لأن الله سبحانه خلق النفس الإنسانية وأبدعها مثالا لنفسه ذاتا وصفة وفعلا ، مع التفاوت بين المثال والحقيقة ، لتكون معرفتها مرقاة لمعرفته ، فنفخ فيها من روحه ، وجعل ذاتها مجردة عن الأكوان والأحياز والجهات ، وصيرها ذات قدرة ، وعلم ، وإرادة ، وحياة ، وسمع ، وبصر ، وجعلها ذات مملكة شبيهة بمملكته ، يخلق ما يشاء ويختار ما يريد ، فلها في ذاتها عالم خاص بها من الجواهر والأعراض المفارقة والمادية ، والأفلاك والعناصر والمركبات ، وسائر الخلائق ، إلا أنها لضعفها وبعدها عن ينبوع الوجود بوسائط وتنزلات ، وغلبة أحكام التجسم عليها بصحبة المادة وعلائقها ، لا تترتب على أفعالها وآثارها مادامت في هذه النشأة ما يترتب على الأشياء الخارجية ، بل وجودات آثارها حينئذ كظلال وأشباح للوجودات الخارجية ، وإن كانت الماهية بعينها محفوظة في الوجودين.

نعم من تجرد عن جلباب البشرية ، واتصل بعالم القدس ومحل الكرامة ، وكملت قوته ، فإنه يقدر على إيجاد أمور موجودة في الخارج ، مترتبة عليها الآثار ، ولو كان بعد في هذه النشأة.

Page 271