Cawdat Mawt Aswad
عودة الموت الأسود: أخطر قاتل على مر العصور
Genres
الغريب أن بضعة أماكن نجت تماما من المرض، منها مدينة ميلانو ومدينة لييج ومدينة نورنبرج الألمانية، ومنطقة صغيرة شرق بلدة كاليه الفرنسية، ومنطقة كبيرة في شمال فيينا، ومنطقة صغيرة في الطرف الشمالي الغربي من جبال البرانس (على الرغم من أن المرض كان موجودا في أنحاء بقية السلسلة الجبلية).
انتشار الموت الأسود الأشبه بالموجة في أنحاء أوروبا جهة الشمال من عام 1347 إلى عام 1350.
ساد الهلع في كل أنحاء أوروبا لأن الطاعون غطى مساحة واسعة، مهلكا كل شيء في طريقه. لم يعرف أحد طريقة لتجنب الطاعون سوى الفرار. لا بد أن الفرار أمامه بدا استراتيجية دفاعية واضحة، إلا أنها لم تجلب معها كثير نفع، بل أدت في الغالب إلى استفحال الجائحة. الشيء المأساوي أنه لو أن كل شخص مكث مكانه فلربما اقتصر الطاعون على إيطاليا وجنوبي فرنسا ولربما جرى التخلص منه.
حان الآن دور البلدان المنخفضة (بلجيكا ولوكسمبورج وهولندا) لتذوق كأس المعاناة، وكما هو متوقع تماما، تسبب الموت الأسود في حالة من الهلع والدمار كعادته. كتب جيل لي ميوسي:
يكاد يستحيل تصديق معدل الوفيات في كل أنحاء البلاد بأكملها. يفيد المسافرون والتجار والحجاج وغيرهم ممن مروا بها بأنهم وجدوا الماشية تجول بلا رعاة في الحقول، والبلدة مهجورة، والأرض بلا زراع، والمنازل خاوية من السكان، ولا يوجد سوى عدد محدود من الناس ... وفي مناطق كثيرة مختلفة، بارت الأراضي والحقول.
وصل الموت الأسود تورناي، الكائنة في بلجيكا حاليا، في صيف عام 1349، وكان الأسقف من أوائل الذين سقطوا صرعى، ثم سادت فترة سكون قبل أن يكشر الوباء عن أنيابه.
في كل يوم كانت تحمل أجساد الموتى إلى الكنائس، خمس جثث، ثم عشر جثث، ثم خمس عشرة جثة، وفي أبرشية سانت برايس في بعض الأحيان، كان يسقط عشرون أو ثلاثون جثة في المرة الواحدة. وفي كل كنائس الأبرشية، يقرع الخوريون والخدام العلمانيون وخدام الكنيسة الأجراس الجنائزية صباحا ومساء وليلا كي يحصلوا على أجورهم، فما كان من سكان المدينة بأكملهم رجالا ونساء على حد سواء إلا أن يتملكهم الرعب.
تصرف مجلس المدينة بصرامة لاسترداد ثقة الجمهور؛ فمنع قرع الأجراس في الجنازات، وحظر لبس الملابس السوداء، وكذلك منع التجمعات في منازل الموتى، وخصصت مدافن جديدة خارج جدران المدينة كان يدفن فيها كل الموتى مهما كانت مكانتهم في المدينة.
وهكذا واصل الطاعون زحفه بلا هوادة شمالا في أنحاء ألمانيا؛ فكان يجلب معه خسائر فادحة في الأرواح على نفس المنوال، وكان يتسبب في بعض الأحيان في انهيار القانون والنظام والمسئوليات المدنية. تضمنت الخسائر المريعة في الأرواح 2000 نسمة خلال 72 يوما في فرانكفورت إم ماين: ما يزيد على 50 بالمائة من سكان هامبورج، و6000 نسمة في ماينتس، و11 ألف نسمة في مونستر. لقي نحو 12 ألف نسمة حتفهم في إرفورت ونحو 7000 في بريمن، ربما ما يعادل 70 بالمائة من السكان. علاوة على أنه قيل إن 200 ألف بلدة ريفية صغيرة في ألمانيا محا الطاعون كل سكانها. وكان رعب وفزع أولئك الذين واجهوا الموت المحقق يفوق الخيال.
يقول السجل التاريخي لبلدية نويبرج المدون في نوفمبر من عام 1348:
Unknown page